حينما تكتشف فجأة لماذا كان يضحك البحر - سبورت ليب

حينما تكتشف فجأة لماذا كان يضحك البحر - سبورت ليب
حينما تكتشف فجأة لماذا كان يضحك البحر - سبورت ليب

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سبورت ليب نقدم لكم اليوم حينما تكتشف فجأة لماذا كان يضحك البحر - سبورت ليب

فن

مراجعة فيلم «البحر بيضحك ليه»

تم تحديثه الإثنين 2024/11/18 08:23 م بتوقيت أبوظبي

في لحظة مكاشفة، يعلن "حسين"، بطل فيلم "البحر بيضحك ليه"، أنه بلغ الخامسة والأربعين من عمره،إلا أنه ضاع منه دون أن يعلم ما الذي كان ينتظره أو يريده.

  •  تصور النهارده عيد ميلادي.. كنت ناسي خالص الحكاية دي.
  •  كل سنة وانت طيب يا حسين.. فيه حد ياراجل ينسى عيد ميلاده؟
  • لا أنا افتكرته، ولا حد فكرني بيه.. النهاردة يبقى سني خمسة وأربعين سنة ضيعت أكتر من نص حياتي من غير ما أعمل حاجة.
  • وإيه بقى الحاجات اللي كنت عاوز تعملها؟
  • النكتة بقى إني مش عارف.


كان هذا الحوار بين حسين وأصدقائه، ولكنه في الحقيقة كان حوارًا مع النفس. من خلال هذه اللحظة، يفتح المخرج محمد كامل القليوبي فيلمه "البحر بيضحك ليه" بابًا واسعًا للأسئلة التي ترافق وجود حسين: "هل أنا حي؟ هل عشت حقًا؟"، ليتلمس معنى لحياته وسط عدمية وجود روحه الحائرة.


يبدأ الفيلم بمشهد بسيط، حيث يفقد البوصلة. حسين، الذي يجسده محمود عبد العزيز، شخصية في الأربعين من عمره، يذهب إلى عمله مرتديًا بدلة كاملة، ليُفاجأ بموظفي مكتبه الذين يتجولون عراة جزئيًا، وكأن الحياة أرادت أن تمزق الشكل المعتاد، وتكشف عن معايير جديدة لا يعرفها إلا من غرق في غربة الذات.


في عالم لا يوجد فيه شيء ثابت، كل شيء يتبدل ويتآكل من الداخل. فالموسيقى الحالمة التي ترافق بداية الفيلم، تتناغم مع ما تود أن تروي لنا الألوان والصور، موسيقى تُحلق بنا بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية، وكأنها نداءٌ إلى حلمٍ تائه. لنرى الحياة، بحرًا عميقًا لا يجيد السباحة فيه سوى من يرفض أن يستسلم له، وأن يكمل بحثه عن نفسه في عالمٍ ضاع فيه كل شيء.


يأخذنا الفيلم في رحلة لا يمكن الإجابة عنها، فلا هي تتركنا في بحرٍ عميق من الحيرة، ولا هي تفتح أمامنا أبواب اليقين. حسين، الذي يحاول أن يكون كل شيء: الموظف الطائع، الزوج المحب، الأخ المسؤول، ينتبه في لحظةٍ ما إلى أنه نسي نفسه في هذه المساحة المزدحمة بالأدوار. هو لا يعرف من هو بعد كل هذا، فوجوده فقد معناه في غمرة السعي الدائم وراء رضا الآخرين.


حسين لا يعيش إلا في انتظار ما سيأتي، ترقية قد تفتح له أبواب المستقبل، أو طفل قد يُضيء ظلام أيامه. لكنها مجرد أطياف، لا وجود لها إلا في العدم، وكأن الحياة قد قررت أن تقيده في دائرةٍ ضيقة لا تنتهي. 


في فيلم "البحر بيضحك ليه"، نجد حسين يعيش اللحظة ذاتها، لحظة الفقد، ولكن بدلاً من الرقص في مواجهة الموت، يتحرر من قيوده ليكون الانفجار، ولا يجد منفذًا إلا من خلال تفجير الغضب ضد كل من حوله. لكنه يتبع مسارًا مغايرًا وغير متوقع، فبدلاً من أن يقبع في مركز الوجود، ينقض على الأطراف، يصفع الأهل والأصدقاء بزجره واحدة.


يختار أن يعيش على هامش الحياة، لا في قلبها، ويمتد بأقدامه على أرصفة الإسكندرية، حيث يتحول إلى جزء من أولئك الذين يظلون بلا صوت، وبلا معالم، فيظهر لنا حقيقتنا في صور تقتات على الوهم، لكنها أكثر صدقًا مما نتصور.


وفي هذا الصخب، يظهر "سيد بُص"، شخصية تجسد الفهم العميق للحياة ببساطتها. يردد صوته الجهوري أمام محال البوتيكات، لا لكي يُحكم على الحياة من خلال المعايير المعتادة، بل ليكشف عن جوهر الحرية التي لا يمكن أن تدوم إلا عندما يُكسر القيد.

"سيد بُص" لا ينظر إلى العالم بعين الرغبة في السلطة؛ هو سارق الخزن الذي تاه في عالم المهمشين، لكنه يمتلك زعامة من نوع خاص، زعامة لا تبتغي السيطرة، بل تُقدّر اللامبالاة بالحياة الاجتماعية التقليدية.


يجد حسين نفسه في لحظة ضعف إنساني وجمالي، حين يتعاون مع العاهرات، ويصرخ في وجه المجتمع الذي يطالبه بالتقيد والتصنيع العاطفي. مع ذلك، تظهر في حياته علاقة حب جديدة مع "نعيمة"، التي تصبح نقطة التحول الأهم في حياته، حيث يقاتل للحصول على حبها ويصنع حياة جديدة بعيدًا عن الجميع.


حسين، رجل لا يملك شيئًا ولا يحتاج إلى شيء سوى أن يكون على قيد الحياة. يعيش في تناغم مع الطبيعة، يعشق بلا تعقيدات، ويمارس حريته في أسمى صورها. لا يهمه أن يكون شريفًا أو فاسدًا، أن يكون من الطبقات العليا أو الدنيا، فكل شيء يتساوى لديه ما دام ينعم بحياة حرة.


اختار الفيلم مدينة الإسكندرية المصرية، تلك المدينة التي تحتفظ بتاريخ طويل من الرمزية الأدبية، لتكون مسرحًا لأحداثه. كانت الإسكندرية، ولا تزال، تجسد "نقيض المركز"، ذلك المكان الذي يرفض أن يُقيّد في نسق واحد، حيث يعيش المغضوب عليهم، ليشكلوا عالمهم الخاص، المتحرر من قيود المألوف.


الفيلم هنا لا يختار السهولة؛ إنه يتعمد أن يحطم القوالب التقليدية التي تفرض، وهو ما يسعى حسين لتحطيمه خلال رحلة روحية صوفية، لنرى معه كيف نعيش كـ "إنسان عادي" في عالم يحكم بقوانين تحجز بيننا وبين نفسنا الحقيقية.

ومع مرور الوقت، يكتشف حسين أن تحوله لم يكن سوى مرحلة ضرورية لتدمير ما كان، ليعود كما بدأ، وأن الفوضى الذهنية والوجودية في حياته الضائعة والمجنونة، كانت مقدمة إلى حالة من اللامبالاة، تجسدت في لحظة بريئة يضحك فيها على جنازته، ليعلن لنا جميعًا أن رجع طفل جديد، يبدأ حياته، غير مكترث بما كان.

aXA6IDJhMDE6NGY5OmMwMTI6ZTg2Mzo6MSA= جزيرة ام اند امز FI

قد تقرأ أيضا