"جوهرة ارهونة ".. الباحث بودياب يعرف بقبيلة شمالية للأعلام والصلحاء
تقديمُ مؤلّف جديد يكشف جزءا منسيا من تاريخ قبائل جبالة شمال المغرب، في أزيد من 600 صفحة، نظّمه المجلس العلمي المحلي لإقليم سيدي سليمان، مناقشا كتاب الباحث عبد المجيد بودياب “جوهرة الأصداف المكنونة في التعريف بتاريخ وأعلام وصلحاء قبيلة ارهونة”.
واستقبلَت تقديمَ الكتاب ومناقشته، أمس السبت، قاعة التفتح الفني والأدبي بسيدي سليمان، وقال المؤلف عبد المجيد بودياب إن هذا العمل المهتم بـ”التاريخ المحلي لإقليم وزان بشمال المغرب (…) استغرق 7 سنوات من العمل والبحث في المصادر والمراجع والروايات الشفوية، والتنقل بين الدواوير، حتى صرتُ مشهورا في تلك المداشر، وأخذت الشهادات عن مجموعة من المعمرين في السن، فضلا عن المراجع (…) لرد الاعتبار إلى قبيلة ساهمت في صناعة التاريخ ونسيها المؤرخون، ولا ندري لماذا؟”.
وتابع قائلا: “وجدتُ شحّ المصادر والمراجع حول قبيلة رهونة ماعدا مبادرات محدودة لا تفي بالغرض أغلبها أجنبي (…) وإشارات في ‘الاستقصا” للناصري، وتواريخ الضعيّف الرباطي، وحسن الوزان وغيرهما”. وأردف أن “قبيلة رهونة يكفيها فخرا أن الفقيه الرهوني، صاحب “حاشية الرهوني”، ينتمي إليها، وأعلام آخرون راحلون وأحياء (…) ومن أسباب التأريخ لها إبراز جهود القبيلة في نشر العلم والمعرفة، وحث شبابها على الاهتمام بالمنطقة”.
ومن بين ما واجهَ الكاتبَ “صعوبةٌ كبيرة في جمع شتات جغرافية كبيرة، واحتكار المعطيات والمعلومات من قِبل بعض الأسر (…) وصعوبات الخلطِ الموجود في بعض أعلام المنطقة، والخلط بين أعلام رهونة، وزرهون مثلا. والأعلام الرهونية، التي يطلق عليها ألقاب المكناسي والوزاني والفاسي والزرهوني والمراكشي، وكذلك تضارب الروايات الشفوية، وعدم احتفاظ الإدارات المحلية بالأرشيف الإداري والمحلي، وإشكالية التواصل مع المعمرين لظروفهم الصحية”.
وفي تسيير اللقاء، قال محمد نجي حمي، عضو المجلس العلمي المحلي بسيدي سليمان، إن هذا الكتاب الجديد “قيم جدا”، ويمثل “رحلة في طلب العلم” كأنها جاءت على سُنّة المختار السوسي، وتلبية لدعوته التي خطّها في كتاب “سوس العالمة”، حين تحدّث عن التاريخ العلمي العام الذي لا يمكن تكوُّنه تكونا تاما إلا بالتواريخ الخاصة لكل حاضرة من الحواضر، وكل بادية من البوادي، مع تنبيهه إلى وجود بواد مترامية، من بينها قبائل جبالة، التي كان لها ماض مجيد في ميادين المعارف، يحتاج فتح صفحاته، ليدرَك ما كان فيها من النشاط والإكباب والرحلة في سبيل الثقافة.
محيي الدين البقالي الطاهري، رئيس المجلس العلمي بسيدي سليمان، ذكر من جهته أن كتاب “جوهرة الأصداف المكنونة” هو “مجهود كبير، وعمل متواصل، وسِفر قاصد لجمع مواد ومحتويات الكتاب، الذي ضم فوائد متنوعة، من كتب ومراجع، في ظرف زمني واسع، لاستخراج المنتوج العلمي الثري في معارفه، والواسع في مضامينه التاريخية والجغرافية والعلمية والتعليمية والتربوية والاقتصادية والأسرية والفنية، وغيرها من المعارف المبثوثة في السِّفر”.
وأضاف أن “قبيلة رهونة لها مراكز تعليمية ومدارس علمية احتضنتها المساجد والزوايا والمعاهد”، و”حُفِظ القرآن في كتاتيبها العامرة”، وهو ما أرّخ له الكاتب مع “تعريف بمصطلحات التحفيظ والحُفّاظ، ومراتبهم، ومن تخرجوا منها من علماء كبار”.
وتوقّف البقالي لدى “عدد كبير من العلماء والحُفّاظ والشيوخ والأعلام، منهم من نسب إلى قبيلة الرهوني، أو أنساب أخرى بمداشر القبيلة أو غيرها، ابتداء من القرن الخامس الهجري”، موضحا أن المؤلَّف أرخ للمعاصرين أيضا، وعددهم 60 عالما وقاضيا وعدلا.
عبد السلام علوي بلغيتي، رئيس المجلس العلمي ببولمان، تحدث عن “بهجة الاجتماع للاحتفاء بمولود علمي، هو كتاب قيّم في بابه (…) جمع أثر ومآثر ومعالم اندثرت، فصدور هذا الكتاب عقيقة رهونة، وفي الأثر: “من أرّخ مؤمنا فكأنما أحياه” (…) كما أن الكتاب دعوة للاستمتاع بمجالسة الأحياء والأموات الذين جالسهم الكاتب”.
واهتم علوي بلغيتي بـ”التصوف التربوي والأسري” بين دفتي الكتاب الذي “لم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها، فهو مليء بقضايا التصوف والسلوك، والمسائل التربوية، والمضمون الصوفي، والتربوي للتزكية، والثقافي للترقية”، مشكلا بذلك “عملا جليلا (…) يركّز على القيم والمُثل العليا ملاذا لتخليق المجتمع، وتخليصه من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق”.
هذا الكتاب، الذي تبرز بين صفحاته أن “مؤلفه حامل لهَمّ”، يجد فيه قارئه “صفاء الروح”، و”يفتح للقراء الباب ليقصدوا من قراءته التزكية” عبر “آثار يوردها لتاريخِ علماء صالحين (…) من أقطاب العلم والعمل”.
صهيب الحجلي، مدير فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي سليمان، وضّح من جهته أن المؤلّف الجديد يندرج “ضمن الأبحاث المونوغرافية؛ وهي من الأساليب البحثية المهمة، التي تركز على دراسة موضوع أو شخصية أو فترة زمنية أو فترة زمنية بشكل محدد وعميق، وتتيح للباحث التعمق في موضوع معين بعيدا عن التعميمات الواسعة، وهذا هم المؤرخ، أي التركيز في حدث، والتفصيل دون تقديم أحكام عامة أو تأريخ سطحي، مما يسمح بفهم أعمق ودقيق للوقائع والأحداث، وتبني صورة أكثر شمولا للحدث أو الفكرة، مع إضاءة جوانب غير معروفة أو غير مشهورة، وهو ما نجح فيه هذا المؤلف”.
وذكر الحجلي أن الكاتب “سار على درب القدامى، منهم “المعسول” المميز للمختار السوسي، والمؤرخ أحمد التوفيق الذي ركز على قبيلة إينولتان”، واهتم بقبيلة رهونة التي “كتب عنها آخرون من زاوية التاريخ العام، بإشارات وشذرات في كتب حول وزان وبني مسارة، ومقالات أخرى”.
ويجد القارئ، وفق المقدّم، التاريخ القديم والحديث لرهونة، والمعاصر أيضا؛ فقد تحدث الكاتب عن زيارات أعلام ما قبل الاستقلال وبعده مثل محمد بلحسن الوزاني وعلال الفاسي، وتطرق إلى مؤسسة الزوايا والأضرحة وإشعاعها، والماضي السحيق للمنطقة، وأصل تسمية القبيلة، واعتمد أيضا على التاريخ الشفوي، مع اهتمام بالمقومات الجغرافية والإثنية، وتطورها الإحصائي والترابي، وتركيبتها القبلية، وعلاقتها بالمخزن، والثوابت الدينية والوطنية، مقدما بيعة رهونة للحسن الأول، مع نصها، وإسهاماتهم في معركة وادي المخازن قبل ذلك في مواجهة البرتغال، وكم شارك من فرسانهم، ثم مواجهتهم للاحتلال الفرنسي بعد سنة 1912، وإسهامهم في المسيرة الخضراء لاستكمال وحدة المغرب.
ويرى مدير فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي سليمان أن عبد المجيد بودياب في “جوهرة الأصداف المكنونة في التعريف بتاريخ وأعلام وصلحاء قبيلة ارهونة” قد “تفنن بلغة سلسلة بارعة، تُيسّر القراءة دون عناء، (…) ومثَّلَ ابن بارا لقبيلته، أثرى المكتبة المغربية بمرجع (…) مفيد للباحثين”.