هذه مخاطر تنامي حجم تداول "الكاش" .. تبييض أموال واقتصاد غير مهيكل

هذه مخاطر تنامي حجم تداول "الكاش" .. تبييض أموال واقتصاد غير مهيكل
هذه مخاطر تنامي حجم تداول "الكاش" .. تبييض أموال واقتصاد غير مهيكل

يشهد المغرب في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حجم تداول “الكاش” بين المواطنين، ما يثير العديد من التساؤلات حول تأثير هذه الظاهرة على الاقتصاد الوطني. فرغم جهود الدولة في تعزيز استخدام الوسائل الإلكترونية للدفع والتحول نحو الاقتصاد الرقمي يظل الاعتماد على النقد مهيمنا في المعاملات اليومية، سواء في الأسواق أو المتاجر أو حتى في دفع واجبات الخدمات الأساسية.

هذا الواقع يثير مخاوف بشأن تراجع الشفافية المالية وزيادة النشاطات غير المصرح بها، ما يضعف جهود الدولة في مكافحة التهرب الضريبي وتوسيع القاعدة الجبائية.

وتعتمد معظم المعاملات النقدية في المغرب على العادات السائدة والمخاوف المرتبطة بالأمان الرقمي، إلا أن هذه الظاهرة قد تحمل عواقب اقتصادية خطيرة. ويرى خبراء الاقتصاد أن الإفراط في استخدام “الكاش” يعقد قدرة الدولة على تتبع التدفقات المالية، ما يساهم في انتشار الاقتصاد غير الرسمي ويضعف قدرة البنوك على تعبئة الموارد المالية الضرورية لتمويل الاقتصاد.

وسبق لبنك المغرب أن رصد تداول 32.5 مليار درهم من الأوراق النقدية في الأسواق المغربية خلال يونيو الماضي، ليتجاوز حجم الرواج النقدي سقف 420 مليار درهم، بزيادة نسبتها 8.4 في المائة على أساس سنوي.

أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس عبد الرزاق الهيري أرجع تفاقم تداول “الكاش” في المغرب إلى عدة أسباب، من بينها “ضعف الشمول المالي، إذ مازال العديد من المواطنين غير مندمجين في النظام البنكي وغير مستفيدين من خدماته، ثم تمثيل السيولة النقدية مخزنًا للقيمة، ما يدفع الناس إلى الاحتفاظ بها كضمان للمستقبل وللعمليات التجارية”.

ويرى الهيري أن “من بين الآثار السلبية لتفاقم تداول ‘الكاش’ مشكلة اكتناز السيولة خارج النظام البنكي، ما يحرم الاقتصاد الوطني من التمويلات التي يمكن أن توفرها البنوك”، وزاد: “بالإضافة إلى ذلك يؤدي الاعتماد المفرط على ‘الكاش’ إلى زيادة التهرب الضريبي، إذ تُجرى العديد من المعاملات خارج نطاق المراقبة الجبائية، ما يتسبب في خسائر كبيرة في العائدات الضريبية للدولة”.

وأشار الخبير الاقتصادي ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “تفاقم استعمال ‘الكاش’ قد يساهم في تبييض الأموال، وهو ما يضع المغرب في مراتب متأخرة على مستوى مكافحة هذه الظاهرة؛ فرغم المجهودات التي تبذلها السلطات العمومية لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب إلا أن التعامل المكثف بـ’الكاش’ يعقد هذه المساعي”.

يرى الأستاذ الجامعي ذاته أن “على الحكومة والسلطات العمومية اتخاذ إجراءات فعالة للتخفيف من الاعتماد الكبير على ‘الكاش’ الذي يمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام”، موردا أن “هناك عدة مؤشرات يمكن استخدامها لتقييم حجم تداول ‘الكاش’ وتأثيره على الاقتصاد الوطني، من بينها نسبة الأوراق المالية المتداولة مقارنة بالناتج الداخلي الخام”.

واستحضر المتحدث في هذا السياق إحصائيات بنك المغرب التي تشير إلى أن نسبة الأوراق المالية المتداولة تصل إلى حوالي 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقارنة بنحو 5 في المائة في الولايات المتحدة، بينما تسجّل في بعض الدول الأوروبية مثل سويسرا نسبًا مرتفعة تصل إلى 26 في المائة؛ فيما تسجل ألمانيا وإيطاليا نسبًا مماثلة بحوالي 23 و22 في المائة على التوالي.

من جانبه نبّه محمد جدري، خبير اقتصادي، إلى أن “هذا الحجم الكبير من النقد المتداول يعمق من وجود الاقتصاد غير المهيكل، ما يحد من المساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية”، مبرزاً ضمن تصريح لهسبريس أن “هذا التأثير يظهر في عدم قدرة الدولة على جمع الضرائب بالشكل الكافي، سواء ضريبة الدخل، أو الشركات، أو القيمة المضافة، بالإضافة إلى التهرب من التحملات الاجتماعية المرتبطة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.

وأشار الخبير الاقتصادي ذاته إلى أن المنافسة بين الشركات في القطاع المهيكل وغير المهيكل تتأثر سلبًا أيضًا، “إذ تجد الشركات المهيكلة نفسها في وضع غير متكافئ؛ لهذا فإن الاعتماد المفرط على ‘الكاش’ يعيق النمو الاقتصادي ويساهم في فقدان موارد مالية مهمة”.

ويرى جدري أن “الحل يكمن في تعزيز الرقمنة وتسهيل عمليات الدفع عبر الوسائل الإلكترونية، لاسيما من خلال الهواتف النقالة، كخطوة أساسية لتقليل اعتماد البلاد على النقد والحد من آثاره السلبية، من قبيل تبييض الأموال والإرهاب والتسلح”.

قد تقرأ أيضا