سياسات الحياد الكربوني تتأثر بالتحولات العالمية.. بريطانيا نموذجًا (تقرير)
اقرأ في هذا المقال
- • تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030 يتطلب طرحًا سريعًا لتوليد الكهرباء الجديدة
- • الصين تهيمن على صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات
- • الأسمدة والبتروكيماويات والأسمنت والألمنيوم والصلب تُصنَّع في أماكن أخرى وتُستورد منها
تتأثر سياسات الحياد الكربوني بعقبات التحولات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، وتُعدّ المملكة المتحدة نموذجًا لذلك، بسبب تدنّي مستويات الإنتاج وارتفاع الاستهلاك وقلة المدخرات المالية وزيادة الديون.
وقد لا يكون هذا مفاجئًا، لأن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا حتى تلحق السياسة بالاقتصاد، ويبدو أن حكومة حزب العمال الجديدة في صدد مفاقمة جميع هذه التحديات الـ4، بحسب ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وتشمل تلك التحولات الكبرى انتهاء عصر الديون الرخيصة، والتوسع الكبير في التجارة العالمية، وإغراق الصين الأسواق العالمية بمواد ومنتجات أرخص ثمنًا من أيّ وقت مضى، والحروب والتوترات واسعة الانتشار.
وقد تسببت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بعد مرور 10 سنوات على ضم شبه جزيرة القرم، في إعادة تنظيم جذرية لإمدادات الغاز، وجلبت الحرب إلى الحدود الأوروبية.
تدنّي مستويات الإنتاج
تتجه الشركات كثيفة استهلاك الطاقة في بريطانيا إلى إغلاق أبوابها وسط تدنّي مستويات الإنتاج وتراجع الطلب وارتفاع الأسعار ومشكلات سلاسل التوريد، حسبما نشرته مدونة أستاذ السياسة الاقتصادية بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، ديتر هيلم (Dieter Helm).
وأصبحت عبارة "مصنوع في بريطانيا" علامة تجارية نادرة، إذ تتحول مصفاة غرينجموث البريطانية Grangemouth من التكرير إلى استيراد المنتجات المكررة، ويتجه مصنع بورت تالبوت من إنتاج الصلب الجيد إلى الواردات وإعادة تدوير الخردة المعدنية منخفضة الجودة.
بدورها، تستعد صناعة السيارات لصدمتها الكبرى الثانية، بسبب واردات السيارات الكهربائية الصينية التي تفاقم المشكلات التي تسبَّب فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأشار ديتر هيلم إلى أنه حتى 10% من الكهرباء تُعدّ مستوردة حاليًا، حيث ترسّخ التخلي عن التصنيع لأن سلاسل التوريد الرئيسة أجنبية.
وأوضح أنه في ظل السعي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030، من الواضح أن أيًا من سلاسل التوريد تقريبًا ليس محليًا.
وأشار إلى أن تصنيع الألواح الشمسية يجري في الصين، وتُصنع توربينات الرياح من الصلب الصيني، وتُصنَّع البطاريات أساسًا في الصين، وتُستخرَج المعادن الحيوية في الصين، أو تحت سيطرتها.
في المقابل، تُصنع الأسمدة والبتروكيماويات والأسمنت والألمنيوم والصلب غالبًا في أماكن أخرى، وتُستورد منها.
تعزيز النمو الاقتصادي من خلال برنامج الحياد الكربوني
يتطلب تعزيز النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة من خلال برنامج الحياد الكربوني السريع إعادة التصنيع على نطاق واسع، وليس سلسلة مجزّأة من الدعم تلو الدعم من المواقع التي غالبًا ما تكون مدفوعة سياسيًا لتجميع الأجزاء المصنوعة في الخارج.
وقال أستاذ السياسة الاقتصادية بجامعة أكسفورد البريطانية، ديتر هيلم (Dieter Helm): "لتخيُّل إعادة التصنيع هذه، علينا التفكير في التعدين المحلي الرئيس، وفي مصافي المعادن الرئيسة مثل النيكل والنحاس والكوبالت والليثيوم".
وأوضح هيلم أن تعزيز النمو الاقتصادي يعتمد على التوسعات الكبرى في إنتاج الصلب عالي الجودة، ومصانع الأسمدة، والجرارات الجديدة، ومصانع الأسمنت الكبرى، وإعادة بناء مصانع الألومنيوم، خصوصًا إذا أصبح الألومنيوم مفتاحًا لخطوط الكهرباء في المستقبل.
وأشار إلى أن مصانع البطاريات الكبرى، والخطوط الكهربائية، وإنتاج السيارات الكهربائية على نطاق واسع، وبناء مصانع الألواح الشمسية الجديدة، وتصنيع الروبوتات، وتوربينات الرياح، تُعدّ كثيفة استهلاك الطاقة والانبعاثات.
وأكد أن جميع ما سبق ذكره يتطلب استهلاكًا كثيفًا للطاقة، وكذلك مراكز البيانات، وتكييف الهواء، والبنية الأساسية للذكاء الاصطناعي، ومن ثم فإن جزءًا رئيسًا من الجدوى الاقتصادية لإعادة التصنيع يعتمد على وجود إمدادات كافية من الطاقة بأسعار تنافسية عالميًا.
وقال ديتر هيلم، إن هناك حاجة إلى الكثير من الكهرباء لتجاوز ذروة الطلب المتوقعة بشكل مريح، على أساس ثابت وليس فقط على أساس متقطع، ولا بدّ أن تكون قادرة على المنافسة من حيث التكلفة مع الولايات المتحدة والصين.
وأردف أن تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030 يتطلب انتشارًا سريعًا للغاية لتوليد الكهرباء الجديدة وتخزينها والشبكات المرتبطة بها، بأسعار تنافسية عالميًا، وهذا يشير إلى أحد العيوب الكبرى في اندفاع المملكة المتحدة نحو النمو الاقتصادي.
أسعار الطاقة الحالية
ألمح أستاذ السياسة الاقتصادية بجامعة أكسفورد البريطانية، ديتر هيلم (Dieter Helm)، إلى أن أسعار الطاقة الحالية في المملكة المتحدة ليست فقط غير قادرة على المنافسة مع الولايات المتحدة والصين (وحتى مع معظم دول الاتحاد الأوروبي)، بل إن الاتجاه الذي تسير فيه ليس من شأنه أن يسدّ الفجوات.
وقال ديتر هيلم: "توجد بعض الأسباب الجادة التي تدعونا إلى الاعتقاد بأن هذا الاتجاه من شأنه أن يجعل الفجوات أكبر".
في المقابل، فإن تقرير دراغي Draghi Report ، الذي نُشِر مؤخرًا وأُعدَّ للمفوضية الأوروبية، يوضح في الصفحة الثانية المشكلة التنافسية في تكاليف الطاقة وأسعارها لدى الاتحاد الأوروبي (وتُعدّ المملكة المتحدة في وضع أسوأ)، حسبما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وذكر التقرير أنه "على الرغم من أن أسعار الطاقة انخفضت بشكل كبير من ذروتها، ما تزال شركات الاتحاد الأوروبي تواجه أسعار كهرباء أعلى من نظيراتها في الولايات المتحدة بمرتين إلى 3 مرات، وأسعار الغاز الطبيعي المدفوعة أعلى بـ4 إلى 5 مرات".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..