المنتدى الحضري من القاهرة للعالم: لا بناء وإعمار بدون سلام
الرئيس السيسى: خسائر الشرق الأوسط الفادحة كشفت نتيجة إعلاء صوت الحرب
البرهان: مصر حولت التحديات لفرص رغم الظروف الإقليمية والدولية الصعبة بفضل الإرادة والقيادة الواعية
أبو مازن: إرساء قواعد الأمن والسلام يفتح المجال واسعاً لتنفيذ برامج التنمية الحضرية المستدامة في فلسطين
رشاد العليمى: المنتدى منصة فريدة لبلدان النزاعات المسلحة لعرض اثار الحروب والكوارث على واقع مدنها ومستقبل اجيالها المتعاقبة
من القاهرة، حيث الحضارة والتاريخ الممزوج بالرؤية الحضارية، وكونها أعرق عواصم العالم، اختارت الأمم المتحدة، العاصمة المصرية، لتكون منصة دولية لحوار فعال يجمع الفاعلين المعنيين حول كيفية تحسين أوضاع التجمعات البشرية، وتعزيز التنمية الحضرية، بمشاركة 37 ألف شخص من 182 دولة، منهم 120 وزيرا و60 محافظا، وعقد 80 جلسة تنظمها 14 دولة عربية مع شركاء إقليمين ودوليين، لعقد شراكات وصياغة سياسات وإستراتيجيات، تعكس احتياجات وتطلعات الشعوب فى حياة كريمة ومستقبل أفضل.
كل هذا كان تحت سقف النسخة الـ12 من المنتدى الحضرى العالمى، الذى استضافته القاهرة الأسبوع الماضى، ولمدة خمسة أيام، وكان لاستضافة القاهرة للمنتدي الحضرى العالمى كثاني مدينة أفريقية تحمل مدلولات عدة تعكس أهمية العاصمة المصرية، ويعزز من مكانتها كوجهة عالمية للنقاش حول قضايا التنمية الحضرية، بما يسلط الضوء على الجهود المحلية في القاهرة لتعزيز التنمية المستدامة مما يمكن أن يُلهم مدنًا أخرى لتبني نماذج مماثلة.
في الجلسة الافتتاحية للمنتدى، كانت الرسالة شديدة الوضوح على استحالة البدء فى أى خطوات جادة لمواجهة التحديات الحضرية فى مجتمعات تعانى من الحروب والاقتتال والنزوح والمجاعة والمرض، لذلك كانت الدعوة صريحة، بأهمية تركيز الجهود على مجالات التنمية وإعادة الإعمار والبنـاء.
وكان لحضور رؤساء فلسطين والسودان واليمن، الجلسة الافتتاحية وإلقاء كلماتهم أمام العالم أجمع، مكملة لهذه الرسالة، مع تقديم كل منهم شرحاً وافياً لما تعانيه دولهم من أزمات "حضرية" ناتجة عن تدخلات خارجية، وحروب وصراعات عسكرية.
في الافتتاح، وخلال كلمته أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى "الإستراتيجية الوطنية للمدن الذكية" و"الإستراتيجية الوطنية للتحضر الأخضر"، الهادفتين إلى تعزيز الجهود الوطنية القائمة، فى مجالات التحضر، استنادا إلى المعايير الدولية للاستدامة والشراكة، متناولاً ما حققته مصر فى السنوات الماضية من إنجازات كبيرة فى مجالات العمران والتنمية الحضرية، بما يخدم أهداف الإستراتيجية الوطنية "رؤية مصر ۲۰۳۰"، حيث تم تنفيذ مبادرات ومشاريع ضخمة على رأسها مبادرة "حياة كريمة"، لتطوير الريف المصرى والمناطق العشوائية، ومبادرة "تكافل وكرامة" لدعم الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، ومبادرة "سكن لكل المصريين"، التى تعد أكبر مشروع إسكان اجتماعى موجه لمحدودى الدخل فى مصر والعالم بأسره، كما قامت مصر بإنشاء جيل جديد من المدن يتبنى معايير الاستدامة والذكاء الرقمى، على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة ضمن اثنتين وعشرين مدينة أخرى، تم بناؤها بشكل متزامن فى مختلف محافظات الجمهورية، إلى جانب تدشين مشروعات لتطوير العشوائيات، والمناطق غير المخططة وغير الآمنة، فضلا عن تحديث وسائل النقل والمواصلات.
وأكد الرئيس السيسى ان النسخة الثانية من المنتدى عقدت في وقت حاسم يواجه فيه العالم أزمات دولية متلاحقة، وحروبا لها تداعيات مدمرة على المدن والتجمعات السكانية وعلى كل مناحى الحياة فيها، وهو ما يستدعى حشد الجهود والإرادة السياسية لإحلال السلام ووقف النزاعات والصراعات، وتركيز الجهود على مجالات التنمية وإعادة الإعمار والبنـاء، إذ يستحيل البدء فى أى خطوات جادة لمواجهة التحديات الحضرية فى مجتمعات تعانى من الحروب والاقتتال والنزوح والمجاعة والمرض، لافتاً إلى أن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من حروب وصراعات خاصة الحرب الدائرة فى قطاع غزة ولبنان، خير مثال على الخسائر الفادحة التى تتكبدها الدول، جراء إعلاء صوت الحرب والصراع على حساب السلام والاستقرار.
وشدد الرئيس السيسى على إن المعاناة اليومية التى تعيشها شعوب تلك الدول، تتطلب استجابة فورية وفعالة لوقف نزيف الدماء والدمار والشروع فى البناء والتنمية، وقال إن مصر تحرص دائما على تقديم كل سبل الدعم لأشقائها لوقف العنف، وتخفيف حدة التداعيات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه.
توفير مساكن آمنة
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى جعل التنمية الحضرية المستدامة حقيقة، وقال: تجتمعون في القاهرة هذه المدينة الكبيرة المليئة بالحيوية ومركز جذب لكل الابتكارات والإبداع لأكثر من ألف عام، مشيراً إلى أن "التقدم يبدأ من المستوى المحلي على الأرض في المجتمعات وفي حياة الأشخاص"، داعيًا إلى العمل على تسريع أهداف التنمية المستدامة، ومعالجة عدم المساواة، وضمان توفير مساكن آمنة وبأسعار معقولة للجميع، ودعم الدول النامية للتخطيط وتنفيذ مدن آمنة وصحية وسهل الوصول إليها ومرنة ومستدامة، مشددًا على أن العالم يحتاج إلى ذلك أكثر من أي وقت مضى، لافتًا إلى أن المدن ليست محرك قوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فحسب، ولكنها محفز أيضًا للحلول المستدامة.
وثمنت أناكلوديا روسباخ، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "هابيتات"، الجهود المصرية في استضافة المنتدى، مؤكدة أهمية الشراكة العظيمة مع مصر، وقالت إن هناك اهتمامًا عالميًا في المجتمعات الحضرية بهذا الموضوع، منذ نشأة المنتدى الذي جذب الكثير من أصحاب المصلحة ومن قطاعات مختلفة والكثير من المؤسسات التي تهتم بمستقبل الكون.
وأعربت عن أملها في أن يكون المنتدى عظيمًا وقويًا وأن يحقق التواصل والتغيير والتحول في المجتمعات الحضرية، مشيرة إلى أن هذا المنتدى هو الأكبر في تاريخه، وشهد تطورًا عظيمًا وأصبح مرئيًا للجميع.
وقال رئيس الجمعية العالمية للحكومات المحلية وعمدة مدينة لاهاي، جان فان زانين، إن المنتدى يأتي في وقت يشهد فيه العالم حالة من الصراعات والحروب التي تؤثر بالسلب على المجتمعات الحضرية، وأن التحديات التي تواجه التطوير الحضاري يجب أن يتكاتف الجميع لمواجهتها وتعزيز الالتزامات المستقبلية للتنفيذ، مشددًا على أن هناك ضرورة ملحة لوضع المجتمعات المحلية في بيئة مستدامة تضمن حياة تليق بالسكان والمواطنين، وأن هناك جهودًا مشتركة مع الأمم المتحدة للسعي لتطوير المستوطنات البشرية بشكل مستدام من خلال تطبيق الأجندات الحضرية.
وأعرب الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عن تقديره للدور المصري في دعم السودان، وأشاد بالإنجازات التي حققتها مصر في مجال النهضة الحضارية والتنمية الشاملة، وقدرتها على تحويل التحديات إلى فرص رغم الظروف الإقليمية والدولية الصعبة، بفضل الإرادة والقيادة الواعية لمتطلبات المرحلة.
وقال رئيس فلسطين، محمود عباس، إن الاحتلال يفرض تحديات كبيرة تعيق جهود التنمية الحضرية المستدامة في أكثر من 60% من أرض الضفة الغربية وكامل مدينة القدس الشرقية، وأن الاحتلال يمارس جرائم إبادة وتطهير عرقي، ودمر80% من مساكن قطاع غزة ومرافقها ومستشفياتها ومدارسها، ويرتكب جرائم سرقة الأرض والموارد الطبيعية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ودعا المجتمع الدولي إلى وقف دولة الاحتلال عند حدها ومحاسبتها ومعاقبتها على جرائمها وتصرفاتها كأنها سلطة فوق القانون الدولي.
وجدد أبو مازن التأكيد على وجوب محاسبة دولة الاحتلال لعدم وفائها بالتزاماتها تجاه قبول عضويتها في الأمم المتحدة في عام 1949، وعدم تنفيذها لقراري الجمعية العامة رقم 181 و194، الأمر الذي يتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها، مشدداً على أن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وآخرها قرار الجمعية العامة بشأن فتوى محكمة العدل الدولية، وحصول دولة فلسطين على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، حق أساسي لتحقيق العدالة والاستقرار في المنطقة.
وأكد أبو مازن ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2735 بشأن وقف إطلاق النار بشكل فوري، وانسحاب الاحتلال من كامل قطاع غزة، وإغاثة النازحين وإيوائهم تمهيداً لإعادة الإعمار، وتولي دولة فلسطين مهامها كاملة فيها، كما شدد على أن إرساء قواعد الأمن والسلام سيفتح المجال واسعاً أمام تنفيذ برامج التنمية الحضرية المستدامة في فلسطين، بما يتوافق مع أهداف الأمم المتحدة، وبما يحقق الصمود والاستدامة.
الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة اليمنى، قال إن اختيار القاهرة لاستضافة هذا الحدث الاممي الهام، افضل تجسيد لفلسفة واهداف المنتدى الحضري العالمي، حيث مثلت هذه المدينة العريقة رمزا للثراء العمراني على مر التاريخ، والذي زاد تنوعا وتوظيفا لخدمة الانسان، واقتصاده الوطني خلال السنوات الماضية من عهد الرئيس السيسي الذي يقود نهضة عمرانية وحضرية فريدة في تاريخ المنطقة، لذلك سيكون من الامثل استفادة بلداننا من هذه التجربة الرائدة، في مقاربة الاستحقاقات الوطنية المتعلقة بالتنمية الحضرية، وإعادة اعمار مدننا، استعانة بتجارب الشركات والخبرات، والعقول المصرية التي اسهمت في صناعة هذا التحول الحضري، والإنمائي العظيم.
وأشار العليمى إلى أن المنتدى صمم منذ تأسيسه لدراسة آثار التحضر السريع على المدن والمجتمعات والاقتصادات الوطنية، لكنه ايضا مثل منصة فريدة بالنسبة لبلدان النزاعات المسلحة لعرض اثار الحروب والكوارث على واقع مدنها، ومستقبل اجيالها المتعاقبة، موضحاً أنه في اليمن أدت الحرب التي تسببت بها المليشيات الحوثية الارهابية إلى دمار هائل في قطاعات البنى التحتية والخدمات الاساسية، وفي المقدمة الكهرباء، والطرق، وخطوط النقل والموانئ والمطارات، والجسور، والمصانع، والمنشآت التجارية، وقال إنه بلغة الارقام تشير التقديرات الى تضرر خدمات المدن والحواضر اليمنية بنسبة 49 بالمائة خصوصها في أصولها من قطاع الطاقة، و38 بالمائة من المياه والصرف الصحي، فضلا عن اضرار بالغة الكلفة في شبكة الطرق الداخلية، والاصول الخاصة بقطاع الاتصالات، بينما تضرر قطاع المساكن بشدة واعيدت نحو 16 مدينة يمنية عقودا الى الوراء، وحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر نهاية العام 2019 فإن اجمالي الخسائر الاقتصادية اليمنية قد ترتفع بحلول عام 2030 الى 657 مليار دولار، في حال استمرت الحرب، ولم تستجب المليشيات الحوثية الارهابية لنداء السلام، ومتطلبات استعادة مسار التنمية.
وأكد العليمى إلى ان الحكومة اليمنية تواجه تحديات بنيوية وتمويلية معقدة في مواجهة المتغيرات المناخية التي ضاعفت من أعباء التدخلات الطارئة، وتباطوء انفاذ خطط التنمية الحضرية على مختلف المستويات، وخلال العشر السنوات الماضية تسببت الأعاصير القوية بدمار واسع النطاق، بما في ذلك الفيضانات والانهيارات الأرضية والأضرار التي لحقت بالبنى التحتية ومنازل المواطنين، وبين ابريل، واغسطس هذا العام على سبيل المثال، خلفت الفيضانات المفاجئة عشرات الضحايا، واكثر من 100 الف نازح، وخسائر في البنى التحتية والحيازات الزراعية قدرت بنحو 350 مليون دولار، ورغم ذلك تواصل الحكومة اليمنية الوفاء بالاحتياجات الحتمية للتخفيف من اضرار التغيرات المناخية بما في ذلك الاستثمار في البنية الأساسية، والاستجابة للطوارئ والمساعدات الإنسانية، وبناء القدرات المؤسسية والقطاعات المختلفة لتطوير خطط التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.