عودة ترامب إلى البيت الأبيض.. كيف ستؤثر رئاسته الثانية في قطاع التكنولوجيا؟

عودة ترامب إلى البيت الأبيض.. كيف ستؤثر رئاسته الثانية في قطاع التكنولوجيا؟
عودة ترامب إلى البيت الأبيض.. كيف ستؤثر رئاسته الثانية في قطاع التكنولوجيا؟

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، يتوقع أن يواجه قطاع التكنولوجيا موجة من التغييرات التنظيمية الحادة، فخلال ولايته الأولى، اتخذ ترامب خطوات جذرية غيرت المشهد في قطاع التكنولوجيا، وهو ما قد يتكرر هذه المرة.

لقد انتهى عصر الود بين قطاع التكنولوجيا والحكومة الأمريكية منذ عام 2017، إذ تبنت إدارة ترامب ثم إدارة بايدن نهجًا حذرًا تجاه شركات التكنولوجيا العملاقة، وإن اختلفت أسبابهما، وقد تجسد هذا التحول في تكثيف الإجراءات القانونية لمكافحة الاحتكار، التي تُعدّ الأولى من نوعها في هذا القطاع منذ عقود، والتي كانت جوجل هدفًا رئيسيًا لها.

ولكن بعد سنوات من الهجوم على الشركات التقنية، أدرك الرؤساء التنفيذيين لهذه الشركات أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع صناع القرار والابتعاد عن الصراعات السياسية العلنية، فبدلًا من المواجهة المباشرة، بدأ هؤلاء الرؤساء بتبنى إستراتيجيات أكثر دبلوماسية، فقد تحول مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، من تهديد ترامب حرفيًا بإرساله إلى السجن إلى مدحه بعد تعرضه لمحاولة اغتيال، وتعامل بلطف مع الجمهوريين بشأن خيارات تعديل المحتوى التي اتخذتها ميتا.

وقرر جيف بيزوس، مؤسس أمازون ومالك صحيفة واشنطن بوست، عدم تأييد الصحيفة أي مرشح في الانتخابات الأمريكية الرئاسية 2024، مع أن الصحيفة معروفة تاريخيًا بدعمها للديمقراطيين. وقد أدي هذا القرار إلى خسارة الصحيفة ما يقرب من 8% من مشتركيها.

كما قدم إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا و SpaceX، ومالك منصة إكس، دعمه الكامل لترامب، إذ قدم الدعم المالي لحملته الانتخابية بأكثر من 130 مليون دولار من ماله الخاص، كما أسس لجنة باسم (أمريكا باك)، التي وظفت مئات الأشخاص في الولايات المتأرجح لاستقطاب الناخبين، مما منح ترامب أفضلية في هذه الولايات الحيوية، وقد أشاد ترامب بماسك في خطاب فوزه واصفًا إياه بالعبقري الخارق.

وسرعان ما أصبح ماسك بمنزلة (نائب ثان) لترامب وفقًا لصحيفة الجارديان، إذ شارك في محادثة هاتفية بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأربعاء الماضي، مما يشير إلى أهمية دوره في الحكومة الأمريكية المستقبلية.

عودة ترامب إلى البيت الأبيض.. كيف ستؤثر رئاسته الثانية في قطاع التكنولوجيا؟

كما حصل ماسك على وعد بأنه يمكنه إدارة لجنة كفاءة الحكومة، التي تتولى مهمة إجراء مراجعة كاملة للحسابات المالية وأداء الحكومة الفدرالية بأكملها.

وقد ظهرت بوادر هذا الدعم، إذ حققت شركة تسلا أفضل أداء في السوق بعد فوز ترامب في الانتخابات بارتفاع وصل إلى نحو 18% خلال جلستي الأربعاء والخميس الماضيين، كما واصلت ارتفاعها مع بداية جلسة الجمعة لتصل قيمتها السوقية إلى تريليون دولار لأول مرة منذ 2022.

وعلاوة على ذلك، بات ترامب يمتلك سلطة أكبر بكثير مما كان عليه في ولايته الأولى، ويعني ذلك أننا سنشهد سياسات أكثر تطرفًا وأقل توقعًا، خاصة في مجال التكنولوجيا، إذ يطمح ترامب وحلفاؤه إلى إحداث تغييرات جذرية، ومع ذلك، فإن قدرة ترامب على تنفيذ هذه التغييرات ستتوقف على مدى تعاونه مع الكونجرس والمحاكم الأمريكية.

لذلك من المتوقع أن يشهد قطاع التكنولوجيا خلال السنوات الأربع القادمة تقلبات كبيرة وغير متوقعة، مما يدفعنا إلى التساؤل عن أكثر المجالات تأثرًا خلال هذه المدة، وما مصير قانون الرقاقات الإلكترونية، الذي يُعدّ إحدى مبادرات إدارة بايدن الرئيسية، والذي سيؤثر بنحو مباشر في مستقبل كل من إنتل وسامسونج، وكذلك ما مصير اللوائح التنظيمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وغير ذلك الكثير؟

1- الذكاء الاصطناعي:

من المرجح أن تركز إدارة ترامب الثانية في وضع سياسات أكثر تساهلًا في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد أعلن ترامب سابقًا نيته إلغاء بعض الأوامر التنفيذية لإدارة بايدن التي وضعت معايير لمنع الاستخدامات التمييزية للذكاء الاصطناعي، لذلك من المحتمل أن تخفض إدارة ترامب المقبلة من أولوية ضمانات التمييز في هذا المجال، وتحد من استخدام قانون الإنتاج الدفاعي للمطالبة بمزيد من الشفافية في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو ما وصفه المحافظون بأنه تجاوز حكومي.

وعلى الجانب الآخر، يظهر إيلون ماسك، مؤسس شركة (xAI)، كشخصية رئيسية مؤثرة في سياسات الذكاء الاصطناعي المتوقعة من إدارة ترامب، خاصةً في حال استمرار علاقته الجيدة معه.

ويسعى ماسك إلى التركيز في المخاطر الوجودية للذكاء الاصطناعي، لذلك عادة ما يتعرض لانتقادات حادة من الجهات الرئيسية في هذا المجال مثل OpenAI، التي شارك في تأسيسها ولكنه نأى بنفسه عنها لاحقًا ورفع دعوى قضائية ضدها، كما دعم مشروع قانون مجلس الشيوخ رقم 1047 في كاليفورنيا، الذي نقضه في النهاية، ووقّع سابقًا دعوة لوقف تطوير الذكاء الاصطناعي الرئيسي لأسباب تتعلق بالسلامة.

ولكن تركيز ماسك في المخاطر الوجودية للذكاء الاصطناعي يواجه انتقادات من بعض الباحثين، الذين يرون أن هذه المخاوف قد تصرف النظر عن قضايا أكثر إلحاحًا مثل التمييز والتحيزات في الذكاء الاصطناعي.

ومن جهة أخرى، تبقى قضية حقوق النشر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التوليدي وخاصة البيانات، التي يُسمح للنماذج اللغوية الكبيرة بالتدريب عليها موضوعًا شائكًا يحتاج ترامب إلى تحديد موقف واضح بشأنه، إذ يسعى كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال الذكاء الاصطناعي، ومنهم ماسك، إلى التأثير في رؤيته لهذه المسألة لضمان بيئة تشريعية تخدم مصالحهم وتدعم توجهاتهم.

2- مكافحة الاحتكار:

من المتوقع أن يتخذ نهج ترامب في مكافحة الاحتكار طابعًا شخصيًا، إذ قد تستند قراراته بخصوص الشركات والصناعات بنحو كبير إلى مواقفه الشخصية تجاهها. و المحللة البارزة في بلومبرغ إنتليجنس، إلى أن تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار قد يصبح أمرًا شخصيًا للغاية خلال مدة رئاسة ترامب، فوجهة نظره تجاه الشركات أو الصناعات المختلفة ستؤدي دورًا حاسمًا في تحديد مدى صرامة أو تساهل الإجراءات الرقابية.

ووافقها في هذا الرأي آدم كوفاسيفيتش، الرئيس التنفيذي لمجموعة Chamber of Progress – وهي مجموعة تجارية أمريكية تمثل شركات التكنولوجيا في قضايا مثل قانون مكافحة الاحتكار والإشراف على المحتوى والسيارات الذاتية القيادة – الذي صاغ الأمر بوضوح قائلًا: “سنرى معيار رعاية ترامب.. فالشركات التي تتمتع بعلاقة جيدة مع الإدارة ستحظى بمعاملة تفضيلية”.

ومن المرجح أن تواصل إدارة ترامب المعارك القانونية الحالية ضد ميتا وجوجل وآبل وأمازون، مع السعي إلى حلول أقل تطرفًا. وتعزو (جينيفر ري) هذا إلى احتمال أن تصبح التسويات أكثر قبولًا خاصة إذا كانت القضايا لا تصب في مصلحة الحكومة.

ويُذكر أن ترامب لم يكن مقتنعًا بضرورة تقسيم جوجل، ومع ذلك يؤكد كوفاسيفيتش أن مثل هذه القضايا قد تُستخدم كوسيلة للضغط على الشركات العملاقة مثل جوجل، بهدف الحصول على امتيازات تتعلق بمحتواها وسياساتها.

3- مستقبل تيك توك في الولايات المتحدة:

تُعد قضية حظر تيك توك واحدة من أبرز القضايا التي شهدت تقلبًا في موقف ترامب. في السابق، دعم ترامب بقوة حظر التطبيق، لكن موقفه تبدل في المدة الأخيرة، إذ قال إنه يعارض الحظر لأنه سيصب فقط في مصلحة ميتا، وقد جاء هذا التغيير بعد اجتماعه مع جيف ياس، أحد كبار المتبرعين للحزب الجمهوري، الذي يمتلك حصة كبيرة في شركة بايت دانس، الشركة الأم لتيك توك.

وفي عهد بايدن، أصدر الكونجرس قانونًا يلزم بايت دانس بالتخلص من ملكيتها لتطبيق تيك توك بحلول منتصف يناير، وهو قانون وقّعه بايدن ليصبح نافذًا. وتنظر حاليًا محكمة الاستئناف الأمريكية في دائرة العاصمة في قانونية هذا التشريع، ومن المتوقع أن تصدر حكمًا نهائيًا قبل نهاية العام.

ولكن، وفقًا للمحلل مات شيتينهلم من بلومبرغ إنتليجنس، حتى لو عاد ترامب إلى الرئاسة، فإن فرص تيك توك في تجنب الحظر لن تتحسن بشكل كبير.

لأنه إذا أيدت محكمة الاستئناف في مقاطعة كولومبيا القانون ورفضت المحكمة العليا التدخل، فإن قدرة ترامب على تغيير مسار الحظر ستكون محدودة. وفقًا للقانون، يمكن لترامب تمديد مدة حظر من تيك توك لمدة تصل إلى 90 يومًا، بشرط أن يقدم خطة واضحة للكونجرس. ويمنح القانون الرئيس سلطة تقديرية طفيفة بشأن التطبيقات الأخرى التي قد تخضع لمتطلبات الحظر لكن تيك توك مذكور بالاسم في القانون، مما يعني أن ترامب لا يمكنه تجاهل القرار  أو إسقاطه بسهولة.

وفي حالة ألغت المحكمة القانون لأي سبب، فسيتعين على المشرعين العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، وإذا حدث ذلك خاصة بعد أن قال ترامب إنه يعارض حظر تيك توك، يبدو من غير المرجح أن يقضي الكونجرس وقتًا ثمينًا في العمل على مشروع قانون قد لا يوقعه الرئيس.

4- الرسوم الجمركية والصين:

لقد بدأ ترامب حربًا تجارية مع الصين في ولايته الأولى، وإذا صدقنا خطاب حملته، فسنرى استمرارًا لمثل هذه السياسات الاقتصادية هذه المرة. وفي حين نفذ بايدن بعض السياسات الاقتصادية الحمائية، بما يشمل: فرض ضوابط على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة، فقد فرض ترامب تعريفات جمركية على السلع المستوردة من الصين بمعدل يتراوح بين 60% و100%.

وسيؤثر ذلك بنحو كبير في العديد من شركات التكنولوجيا التي تعتمد على مكونات مصنوعة في الصين، وكذلك في الشركات التي تعتمد على السوق الصينية في جزء كبير من إستراتيجيتها التجارية، مثل: آبل وتسلا. وهنا قد يكون تأثير إيلون ماسك، بصفته الرئيس التنفيذي لشركة تسلا ولشركات أخرى كبرى، عنصرًا غير متوقع في هذا المجال، إذ يمكن أن تؤثر مصالحه مع الصين في قرارات ترامب.

5- السيارات الكهربائية:

ستواجه صناعة السيارات الكهربائية تحديات جديدة في عهد ترامب، الذي يسعى إلى دعم صناعة السيارات التقليدية والحد من الاعتماد على السيارات الكهربائية المستوردة، لذلك من المتوقع ستتأثر الصناعة بنحو كبير من غياب الإعفاءات الضريبية والدعم الحكومي.

ومع أن ارتباط إيلون ماسك وتسلا بهذه السياسات قد يزيد من تعقيد المشهد، لكن المحللين يرون أن حجم شركة وتسلا وقوتها التسويقية قد يمنحها مزية تنافسية حتى في ظل غياب الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية.

وبدوره، يرى ناثان دين، المحلل في بلومبرغ إنتليجنس، أن هناك احتمالًا بنسبة تبلغ 30% فقط لاستمرار الإعفاءات الضريبية  للسيارات الكهربائية في عهد ترامب. ويتوقع أن تزداد الخطابات التي تربط بين السيارات الكهربائية والصين، وهو ما قد يفتح المجال لاستبدال الإعفاءات بحوافز مالية للمستهلكين، مما قد يعود بالنفع على شركات صناعة السيارات التقليدية مثل جنرال موتورز وفورد وستيلانتس.

6- صناعة أشباه الموصلات:

شهدت الولايات المتحدة، تحت قيادة إدارة بايدن، خطوة تاريخية وهي تمرير قانون الرقاقات والعلوم (CHIPS and Science) بدعم من الحزبين. ويهدف هذا القانون الإستراتيجي إلى إعادة إحياء صناعة أشباه الموصلات المحلية، التي تُعدّ حجر الزاوية في الاقتصاد الرقمي والأمن القومي. وتأتي هذه الخطوة في ظل تزايد المخاوف بشأن الاعتماد على مصادر خارجية لهذه التكنولوجيا الحيوية، التي هي أساس العديد من القطاعات الحساسة مثل الرعاية الصحية.

لكن ترامب وصف مشروع القانون بأنه (سيئ للغاية) أثناء ظهوره في كما انتقد تايوان لأنها (سرقت أعمال الولايات المتحدة في مجال الرقاقات). وبعد مدة وجيزة، قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون ( وهو نائب جمهوري من لويزيانا) إنه منفتح على إلغاء القانون ولكنه تراجع عن هذا الموقف لاحقًا. ومع ذلك لن يستطيع ترامب إلغاء القانون بمفرده، لكن ربما يمكنه توجيه وزارة التجارة لإبطاء جوانب طرحه.

7- العملات الرقمية المشفرة: 

وضع ترامب العملات الرقمية كمحور رئيسي ضمن وعوده الاقتصادية، وتضمنت وعود حملته تعزيز استقرار البيتكوين ومنع بيع احتياطيات الولايات المتحدة منها، مما يشير إلى تحوّل كبير في موقفه تجاه هذه الصناعة، إذ كان سابقًا من المعارضين للعملات الرقمية.

ولجذب القطاع إلى جانبه، اقترح ترامب سياسات داعمة تركز في تمكين صناعة العملات المشفرة داخل الولايات المتحدة، وتعهد بإنشاء مجلس استشاري خاص بالبيتكوين وتخفيف القيود التنظيمية من خلال استبدال رئيس هيئة الأوراق المالية الحالي، جاري جينسلر، الذي عُرف بمعارضته الشديدة للعملات الرقمية. كما تشمل خططه دعم عمليات تعدين البيتكوين داخل الولايات المتحدة لتحقيق هيمنة تساهم في تعزيز قوة الاقتصاد الأمريكي.

وقد ترأس ترامب في شهر يوليو الماضي أكبر مؤتمر للبيتكوين في العالم في ناشفيل، وقال خلال خطابه الرئيسي: “لقد انتهكت حكومتنا لمدة طويلة القاعدة الأساسية التي يعرفها كل من يستخدم البيتكوين عن ظهر قلب: لا تبيع البيتكوين أبدًا”. كما حصل خلال المدة الماضية على دعم كبير من مستثمري العملات المشفرة البارزين مثل مارك أندريسن وبن هورويتز.

لذلك من المتوقع أن يكون هناك المزيد من التنظيم المتساهل وغير المباشر لهذه الصناعة، إذ دعا ترامب إلى جعل الولايات المتحدة “قوة عظمى في مجال البيتكوين“.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

قد تقرأ أيضا