مجزرة الطحين ونهب المساعدات.. كيف مارس الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية التجويع في حرب غزة؟

مجزرة الطحين ونهب المساعدات.. كيف مارس الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية التجويع في حرب غزة؟
مجزرة الطحين ونهب المساعدات.. كيف مارس الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية التجويع في حرب غزة؟

لا يزال الاحتلال الإسرائيلي مستمرا في الانتهاكات وجرائم الإبادة الجماعية بكل صورها بحق الشعب الفلسطيني في غزة، في أحد أكثر الفصول مأساوية في التاريخ الإنساني.

ومن بين تلك الصور ما يعانيه أهل غزة من مجاعات، وأكد تقرير بحثي أصدره التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن نحو 95% من السكان يعانون درجات متنوعة من المجاعة.

كما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" أيضًا من أن جميع الأطفال دون سن الخامسة في غزة، والبالغ عددهم 335 ألف طفل، معرضون لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة.

ويتحمل الاحتلال الإسرائيلي المسئولية المباشرة عن تلك الجريمة بالوصول للدرجة غير المسبوقة من المجاعة بالاعتداءات المستمرة من قِبَله ومنعه كل سُبُل وصول المساعدات الإنسانية، وزاد على ذلك بارتكابه لمجازر بحق الفلسطينيين وهم في طوابير تلقي المساعدات.

- الخاوة.. وسيلة ابتزاز لإعاقة وصول المساعدات

بحسب تقارير صحفية فإن شاحنات المساعدات الإنسانية المتجهة إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم تتعرض لعمليات ابتزاز ونهب من قبل مجموعات مسلحة تنتمي إلى عشائر محلية في رفح.

وتُجبر هذه الشاحنات على دفع مبالغ مالية تُعرف بـ"الخاوة" تصل إلى 15 ألف شيكل للسماح بمرورها، حيث يطلق المسلحون النار على إطارات الشاحنات لإجبارها على الدفع، ونتيجة لهذه الممارسات، امتنعت بعض المنظمات الدولية عن إدخال مساعداتها، مما أدى إلى بقاء تلك المساعدات في مخازن جيش الاحتلال.

في الوقت نفسه، يُتهم الجيش الإسرائيلي برفضه تأمين الحماية لهذه الشاحنات ومنعها من سلك طرق بديلة، بل وقصفه لقوات الشرطة المحلية في غزة عندما حاولت حماية الشاحنات من النهب، مما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع.

-مجزرة الطحين.. الاحتلال ينصب كمينا للجوعى

في فبراير الماضي، فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على مئات المدنيين الذين كانوا يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية عند دوار النابلسي في غزة، ما أسفر عن سقوط أكثر من 100 شهيد ومئات الجرحى.

واستعرض المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أدلة على تورط جيش الاحتلال في المجزرة، التي باتت تعرف، مؤكدًا أن العشرات من الشهداء تبين أنهم مصابون بأعيرة نارية ولم يقتلوا نتيجة الدهس أو التدافع، كما ادعى الناطق باسم جيش الاحتلال.

ونصب جيش الاحتلال كمينا للجوعى في أحد أبشع الجرائم، فحينها كانت تمر المساعدات الإنسانية الشحيحة ويُسمح بدخولها إلى وسط قطاع غزة عبر شارع الرشيد، مما يدفع النازحين وسكان مدينة غزة والمناطق الشمالية إلى التجمع فور سماعهم بوصول أو توزيع شحنات إغاثة إنسانية.

وحدث ذلك عند دوار النابلسي، حيث بدأت عمليات إنزال المساعدات، فتوافدت جموع الفلسطينيين، وفي تلك اللحظات، بدأت قوات الاحتلال بعمليات قنص مكثفة استهدفت المحتشدين، باستخدام الآليات العسكرية والدبابات والجنود، إلى جانب الطائرات المسيرة التي أطلقت النار بدقة على المدنيين.

-دوار الكويت.. طلقات الاحتلال تقتل الصائمين

وبعد مجزرة الطحين بنحو أسبوعين، كرر الاحتلال الإسرائيلي جريمته في موقع آخر، وذلك مع مجزرة دوار الكويتي التي وقعت في منتصف مارس الماضي.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة استشهاد 23 فلسطينيا، وإصابة 23 آخرين كانوا ينتظرون المساعدات قرب دوار الكويت بمدينة غزة إثر قصف إسرائيلي.

وأضاف المكتب الإعلامي أن أفراد جيش الاحتلال -إضافة إلى الدبابات- فتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة تجاه الجوعى الذين كانوا ينتظرون أكياس الطحين والمساعدات خلال شهر رمضان المبارك.

-المطبخ العالمي

وفي مطلع أبريل الماضي، تعرضت قافلة تابعة لمنظمة "وورلد سنترال كيتشن" (المطبخ العالمي) لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية أثناء توزيعها الطعام في شمال قطاع غزة، مما أدى إلى مقتل 7 من العاملين في المجال الإنساني.

وفي 3 مارس 2024، تعرّضت شاحنة تحمل مساعدات إنسانية للاستهداف من قِبَل القوات الإسرائيلية في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، وكان الهجوم مفاجئاً، وأدى إلى استشهاد 9 أشخاص كانوا متواجدين حول الشاحنة للحصول على المساعدات، فيما أُصيب العديد من الآخرين بجروح متفاوتة، وتزامن هذا الاستهداف مع هجمات أخرى وقعت في نفس اليوم على عدة نقاط لتوزيع المساعدات داخل قطاع غزة، وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح.

ووفقاً لشهود عيان، كانت الشاحنة تتضمن مواد غذائية وإمدادات ضرورية للسكان المتضررين من الحصار والعمليات العسكرية المستمرة، وتجمّع السكان المحيطون بمكان التوزيع فور وصول الشاحنة، على أمل الحصول على بعض المواد الأساسية التي شحت داخل القطاع نتيجة الحصار، وفجأةً، استهدفت الطائرات الإسرائيلية الشاحنة بقذيفة مباشرة، مما أحدث انفجاراً أدى إلى استشهاد وجرح العديد من المتواجدين، وفقا لـ يورو نيوز.

وأثارت هذه الحادثة استنكاراً واسعاً من قِبَل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، الذين اعتبروا استهداف المدنيين خلال توزيع المساعدات انتهاكاً للقوانين الدولية، التي تؤكد حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية في مناطق النزاع.

-ماذا يقول القانون الدولي في جرائم التجويع؟

يعتبر القانون الدولي استخدام التجويع كسلاح حرب جريمة، ويحظر استهداف المدنيين بتجويعهم أو منع وصول المساعدات الإنسانية لهم.

وتشمل الاتفاقيات الدولية التي تعالج هذه المسألة:
- اتفاقيات جنيف لعام 1949، فهي تنص في المادة 54 على حظر تدمير أو إتلاف الممتلكات الضرورية لبقاء المدنيين على قيد الحياة، بما في ذلك المواد الغذائية.

كما تناولها البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والذي يعزز من حماية المدنيين وينص صراحة في المادة 54 (2) على حظر استخدام التجويع كأسلوب للحرب، كما يحظر تدمير الإمدادات الغذائية ومصادر المياه والإمدادات الأساسية الأخرى.

ويعتبر نظام روما لعام 1998 الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية التجويع جريمة حرب، ويعرّف المادة 8 (2) (ب) (25) منه استخدام التجويع بشكل متعمد كوسيلة حرب في النزاعات المسلحة الدولية بأنه جريمة، ويوجب محاكمة الأفراد المسئولين عنه.

ويؤكد القانون الدولي الإنساني ضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة، ويعتبر منع وصول هذه المساعدات جريمة خطيرة.

- قرارات مجلس الأمن: التجويع جريمة حرب

ودعت العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي إلى ضرورة حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وأكدت أن أي استخدام للتجويع كأداة ضغط أو كسلاح يعتبر انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.

ويأتي القرار رقم 2417 الصادر في 2018 كواحد من أبرز القرارات التي تناولت مسألة التجويع كأداة حرب، إذ أدان مجلس الأمن بالإجماع استخدام التجويع ضد المدنيين، واعتبره جريمة حرب.

ودعا القرار الأطراف المتحاربة إلى احترام القانون الدولي الإنساني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المحتاجين.

وسبقه القرار رقم 1296 في سنة 2000، مؤكدا ضرورة تجنب استهدافهم أو استخدامهم كأداة ضغط، واعتبر أن منع إيصال المساعدات أو حرمان المدنيين من الغذاء والماء يمكن أن يعدّ جريمة ضد الإنسانية.

وخلال الأزمة الراهنة، عقد مجلس الأمن جلسات متعددة لمناقشة الأوضاع في غزة، حيث أكد الأعضاء ضرورة حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مع التشديد على أهمية التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني.


وفي 22 ديسمبر 2023، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 2720، الذي دعا إلى زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، بما في ذلك توفير الوقود والمواد الغذائية والإمدادات الطبية.

كما طالب بفتح جميع المعابر الحدودية، مثل معبر كرم أبو سالم، لتسهيل دخول المساعدات، واقترح تعيين منسق إنساني وإعادة إعمار لغزة.

- أمريكا تعرقل وقف تجويع الفلسطينيين
في 25 مارس 2024، اعتمد المجلس القرار رقم 2728، الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، بهدف التخفيف من معاناة المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

وحظى القرار بتأييد 14 عضوًا، بينما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت.

قد تقرأ أيضا