الولايات المتحدة خسرت القطب الشمالي

الولايات المتحدة خسرت القطب الشمالي
الولايات المتحدة خسرت القطب الشمالي

إليزابيث بوكانان باحثة في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي

يتواصل التنافس «الجيو - استراتيجي» في القطب الشمالي على الرغم من العبارات المبتذلة والمملة التي تعلن في قاموس الدول المطلة على القطب الشمالي، مثل «شمال عالٍ، وتوتر منخفض»، لكن تم إغلاق نافذة ضمان التنمية المستدامة في الساحة القطبية الشمالية (الحميدة) استراتيجياً، ولم تدرك واشنطن ذلك حتى الآن.

وتعد روسيا أكبر شريك شرعي في القطب الشمالي نتيجة لجغرافية هذه الدولة التي تشكل سواحلها المطلة على القطب الشمالي نحو نصف سواحل هذا القطب تقريباً. وأدت عقود من المنافسة المنظمة والسياسات التعاونية إلى حماية منطقة القطب الشمالي من السياسة العالمية الأوسع نطاقاً.

وعلى الرغم من ذروة الحرب الباردة الشائكة وهذه الفترة الحادة من (العسكرة) المتزايدة في جميع أنحاء المنطقة، استمرت الاتصالات بين موسكو وواشنطن.

وفي عام 2022، وإثر الحرب في أوكرانيا، تمزق الوضع الراهن في القطب الشمالي على نحو لا رجعة فيه، وواجه جميع من دعا إلى عدم وقف التعاون مع روسيا في ما يتعلق بالقطب الشمالي، تهمة الدفاع عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أفضل الأحوال، أو أنهم «أغبياء مفيدون» في أسوأ الأحوال.

وعلى الرغم من ذلك أوقف مجلس القطب الشمالي (وهو منتدى الحكم الوحيد في منطقة القطب الشمالي) برامج العمل مع روسيا، وعلى الرغم من استئناف المشاركة الانتقائية، استفادت موسكو استراتيجياً من تجنب الغرب لروسيا في منتدى القطب الشمالي، وعملت على تنويع شراكاتها في القطب الشمالي في أماكن أخرى.

موقف قصير النظر

كانت الصين والهند الدولتين الأكثر استفادة من التنوع الروسي، حيث عزز بوتين علاقات بلاده معهما، ومن موقف واشنطن القصير النظر في القطب الشمالي. وببساطة لم تعد روسيا مهتمة بمحاولات الحفاظ على الوضع الراهن في القطب الشمالي، وهذا يشكل تحدياً بالغ الأهمية في الأفق لجميع أصحاب المصلحة في القطب الشمالي، سواء من حيث مصالحهم الوطنية المشروعة (الإقليمية أو الاقتصادية) أو المصالح العالمية في سلاسل التوريد وطرق النقل المستقبلية، ولا تملك واشنطن نفوذاً يذكر لإعادة موسكو إلى خيمة القطب الشمالي.

وتم بذل الكثير من الدراسات والكتابات لوضع تصور للتاريخ المستقبلي للقطب الشمالي، وجرت نقاشات ساخنة حول «الحروب الباردة الجديدة» ويتم الترويج لمخاوف روتينية في «القطب الشمالي الآسيوي»، وعلى الرغم من أني (حاججت) لفترة طويلة، أن عصر «الاستثنائية» في القطب الشمالي قد ولى، فإنه على ما يبدو من المناسب أن نسمع رأي موسكو، ولهذا سألت المسؤول الروسي الكبير، والسفير لفترة طويلة الأمد في القطب الشمالي، نيكولاي كورتشونوف، حول التعاون الدولي في القطب الشمالي.

ويبدو أن كورتشونوف بات أقل ثقة من أن القطب الشمالي قد تجاوز نقطة اللاعودة عندما يتعلق الأمر بالمشاركة الدولية، حيث قال إن «وميضاً من الفطرة السليمة لايزال موجوداً بناءً على تصريحات بعض ممثلي الولايات المتحدة»، ما يعني أنه متفائل بـ«العودة إلى الحوار الشامل في القطب الشمالي، عاجلاً أم آجلاً».

 نزاع ساخن

ويبدو أن المنطق الصيني للمشاركة في منطقة القطب الشمالي الروسية محل نزاع ساخن من قبل خبراء القطب الشمالي. وقال كورتشونوف، إن «التعاون مع الصين يسهل تطور سلاسل التوريد الفعالة» وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى الجائزة الاستراتيجية المتمثلة في ممر البحر الشمالي، الذي يشكل عامل تغيير كبير من الممكن أن يختصر نحو 40% من مسافة السفر التقليدية عبر قناة السويس للبضائع العابرة بين آسيا وأوروبا.

وبعيداً عن تعاونها مع روسيا، قامت الصين ببناء هويتها في القطب الشمالي، استناداً إلى موقفها المادي في محطة «النهر الأصفر» قرب أرخبيل «سفالبارد» التابع للنرويج، وهي محطة علمية بنتها الصين عام 2003 في القطب الشمالي قريباً من النرويج.

وقبل فترة قصيرة احتفلت الصين بتحقيق انتصارات بحثية في هذه المحطة التي تغطيها الأعلام الصينية، وذلك بمشاركة باحثين يرتدون ملابس عسكرية صينية، فهل اعتقدت روسيا أنه سيتم الحفاظ على معاهدة «سفالبارد» التي تمثل ركناً أساسياً للأنظمة التي يستند إليها الحكم والنظام في القطب الشمالي؟

يؤكد كورتشونوف دبلوماسياً على اهتمام روسيا بـ«الحفاظ على هذه المعاهدة وتنفيذ جميع أحكامها بحسن نية». وبطبيعة الحال فإن التنفيذ «بحسن نية» لا يقل أهمية عن التفسير.

وهنا تنجح كل من روسيا والصين في التفوق علينا، فواشنطن لا تتعامل جيداً مع «المناطق الرمادية».

وانعكست محاولات واشنطن لتفكيك الوضع الراهن للقطب الشمالي لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد عليها بصورة سلبية، ولا يتعلق الأمر بالشؤون الأمنية الصعبة.

ويقول كورتشونوف متأسفاً: «إن انخفاض الآليات الفعالة القائمة لاتخاذ القرار من قبل الدول المطلة على القطب الشمالي في العديد من القضايا غير العسكرية مثل البيئة، وتغير المناخ، والحفاظ على التنوع البيئي، وإدارة الموارد، وتشجيع التنمية الاقتصادية المستدامة، وتعزيز رفاهية الشعوب الأصلية في الشمال، تشكل مساحة من عدم اليقين والفراغ التي تجذب جهات فاعلة أخرى».

مكاسب طويلة الأجل

لا ينجذب هؤلاء اللاعبون إلى الفضاء الاستراتيجي أو الفرص التي تتيح لهم استعراض القوة على عتبات البيت الأميركي فحسب، بل إنهم يبحثون عن مكاسب اقتصادية طويلة الأجل. وكما يسلط كورتشونوف الضوء فقد شهدت روسيا اهتماماً من جانب دول ومنظمات بعيدة عن القطب الشمالي، ومن آسيا، وأخيراً الدول العربية.

لكن واشنطن لم تدرك بعد أنها دخلت عصر ما بعد الاستثنائية في القطب الشمالي، وعواقب ذلك متعددة، ويظل التركيز على الأسئلة التي مفادها: «هل سيبنون أم لا؟» ميناء في المياه العميقة في منطقة «نوم» التابعة لولاية ألاسكا الأميركية، أو أي واحدة من كاسحتي الجليد الأميركتين لم تشتعل هذا الأسبوع؟

يمكن تلخيص إرث الرئيس الأميركي جو بايدن في ما يتعلق بالقطب الشمالي في نقطتين أساسيتين للحديث: حظر الحفر في «محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي» في ألاسكا، ومحاولة من الدرجة الثانية لتحديث استراتيجية الولايات المتحدة الوطنية في منطقة القطب الشمالي.

وتبدو رؤية واشنطن للقطب الشمالي متناقضة مع واقع القطب الشمالي الآن «كما وردت في الاستراتيجية الوطنية للقطب الشمالي».

ويبدو أن التنافس «الجيو - استراتيجي» ليس «وشيكاً»، فهو لم يغادر القطب الشمالي، وقد عملت الصين على تدويل القطب الشمالي تقريباً، لذا فإن الحديث من وجهة نظر الدول «غير القطبية» لا يقدم سوى القليل من الفائدة.

وعلى سبيل المثال أدى الحظر المفروض في جميع أنحاء القطب الشمالي على شركات المعادن الأرضية النادرة الصينية إلى زيادة عدد الشركات الأسترالية العاملة في القطب الشمالي.

وسمح بايدن لبريق الوضع الاستثنائي للقطب الشمالي بالتلاشي، ومن خلال تفكيك «حواجز الحماية لإدارة المنافسة وحل النزاعات»، تجد واشنطن نفسها الآن مسرحاً آخر غير مستعدة فيه للتنافس مع الصين.

ويتطلب الردع حواراً كما يتطلب خططاً دفاعية أولية محتملة.

وسيرث الرئيس الأميركي المنتخب للمرة الثانية دونالد ترامب مخزناً فارغاً في القطب الشمالي.

وكان الرئيس السابق باراك أوباما قد سلم ترامب خلال انتخابه للمرة الأولى موقعاً للولايات المتحدة في القطب الشمالي، تقوم به بدور القيادة كما أنها تحظى بالاحترام. وبالطبع ففي ذلك الوقت لم يكن يتعين على واشنطن التنافس مع الأسطول البحري الصيني أو حرس السواحل الصيني العامل في ولاية ألاسكا الأميركية الواقعة على تخوم القطب الشمالي.  عن «ناشيونال إنترست»

• روسيا تعد أكبر شريك شرعي في القطب الشمالي نتيجة لجغرافيتها، وتشكل سواحلها المطلة على القطب الشمالي نحو نصف سواحل هذا القطب.

• محاولات واشنطن تفكيك الوضع الراهن للقطب الشمالي لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد انعكست عليها بصورة سلبية.

 

قد تقرأ أيضا