تضريب مداخيل "صناعة المحتوى" في المغرب يواجه تحديات التطبيق والرقابة

تضريب مداخيل "صناعة المحتوى" في المغرب يواجه تحديات التطبيق والرقابة
تضريب مداخيل "صناعة المحتوى" في المغرب يواجه تحديات التطبيق والرقابة

تناسلت التحليلات حول التدابير الجبائية والتنظيمية التي حملها مشروع قانون المالية 2025، الذي أحيل للمناقشة على الغرفة الثانية بعد مصادقة مجلس النواب عليه، إلا أن بعض الإجراءات استوقفت الخبراء والمحللين بشأن مقاصدها وأهدافها المستقبلية. ويتعلق الأمر بما حملته المادة 70 مكررة لمرة واحدة في الوثيقة المذكورة، تحت مسمى “الدخول والمكاسب الأخرى”، حيث نصت في فقرتها الثالثة على مداخيل تطبق عليها الضريبة على الدخل غير واردة في التصنيفات المحددة بالمادة 22 من المشروع المالي، وشملت “الدخول والمكاسب المتأتية من عمليات هادفة للحصول على ربح، التي لا ترتبط بصنف آخر من الدخول”.

وبخلاف هذه الفقرة المثيرة للجدل حددت المادة مداخيل أخرى واجبة التضريب، تهم الدخول التي تم تقييمها في إطار مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين، المنصوص عليها في المادة 216 من مشروع قانون المالية الجديد، إضافة إلى مكاسب ألعاب الحظ النقدية، كيفما كان شكلها، فيما يتم تقييم المكاسب العينية المذكورة وفق قيمتها الحقيقية؛ بينما اعتبر خبراء المقتضى الجديد إشارة إلى تضريب الأرباح والعائدات المتأتية من صناعة “البوز” أو المحتوى المثير في الأنترنيت، بعد تنامي عدد ممتهني هذا النشاط وارتفاع قيمة مداخيلهم، خصوصا عبر الإعلانات المدفوعة وعقود الإشهار les collaborations، الموقعة مع شركات كبرى.

واعتبر خبراء أن المادة 70 مكرر هي امتداد لمقتضيات مدونة التجارة التي عرفت النشاط التجاري وحددت طبيعته، حيث شددت على أن “أي شخص يمارس نشاطا تجاريا بشكل اعتيادي ومتكرر خاضع لأحكامها وأحكام مدونة الضرائب”؛ وقس على ذلك المداخيل المتأتية من الأنترنيت وعائدات الإشهارات التي يحصل عليها “المؤثرون” في مواقع التواصل الاجتماعي، على أساس أن كل نشاط تجاري يمارس بصفة منتظمة يلزم صاحبه بأداء الضرائب المفروضة، وفقا للمقتضيات الجبائية الجاري بها العمل، فيما أكدوا أن تضمين المشروع المالي مقتضى مماثلا ينذر بحملة مراقبة واسعة خلال السنة المقبلة في صفوف صناع المحتوى، الذين بادر بعضهم إلى تنظيم نشاطهم في شكل شركة أو نظام “المقاول الذاتي”.

“كثرة الضرائب تقتل الضرائب”

بالنظر إلى حجم وقيمة الالتزامات الاستثمارية العمومية خلال الفترة المقبلة تواجه الدولة تحديات كبيرة على مستوى تأمين الموارد الكفيلة بتغطية النفقات المبرمجة، وهو ما يظهر من خلال مشروع قانون المالية 2025، رغم الانتقادات التي رافقته منذ البداية وتحذيرات الخبراء من أثر عكسي لرفع الضغط الضريبي في خدمة المداخيل، انطلاقا من قاعدة “كثرة الضرائب تقتل الضرائب” Trop d’impôt tue l’impôt. ورغم أن الإجراء الجديد الخاص بـ”الدخول والمكاسب الأخرى” يمثل خطوة إلى الأمام نحو تكامل الاقتصاد الرقمي في النظام الضريبي فإنه يثير تساؤلات حول نطاقه، وتطبيقه، وآثاره الاقتصادية.

وبالنسبة إلى نبيل رفاعي، خبير محاسب ومستشار ضريبي، فإن “المقتضى الضريبي الوارد في مشروع قانون المالية الجديد يعد خطوة لا غنى عنها لتوسيع الوعاء الجبائي، ويشير إلى أن العائدات التي تولدها الأنشطة الرقمية غالبا ما تفلت من الرقابة الضريبية بسبب طبيعتها غير المادية وصعوبة تتبعها”، مؤكدا أنه “حان الوقت لإدماج هذه الدخول ضمن الإطار الضريبي الوطني”.

وشدد رفاعي على أن “هذه الخطوة قد تساهم بشكل كبير في تعزيز موارد الدولة والحد من التفاوتات الضريبية بين فئات دافعي الضرائب”، موضحا أن “أحد التحديات الرئيسية للمادة 70 مكرر هو تحديد الأنشطة المعنية بدقة، التي يمكن أن تشمل في تفسيرها الواسع عائدات الإعلانات على الإنترنت، والشراكات مع العلامات التجارية، وبيع المنتجات الرقمية، وحتى التبرعات التي يتم تلقيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

وأورد الخبير ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “إدماج الأنشطة الرقمية في النظام الضريبي سيساهم في تعزيز العدالة الضريبية، من خلال سد الثغرات التي كانت تمكن بعض الأفراد والشركات من تجنب الالتزامات الجبائية”، مشيرا إلى أن “المقتضى الضريبي الجديد يمكن أن يقلل من الفجوة الضريبية بين القطاعات التقليدية والحديثة، إذ إن الأنشطة الرقمية رغم تحقيقها أرباحا كبيرة غالبا ما ظلت خارج نطاق المراقبة الضريبية”، ومشددا في السياق ذاته على “ضرورة تبني سياسة حوار مستمر بين السلطات الضريبية والملزمين المعنيين، وذلك في أفق ضمان تنفيذ عادل وفعال لهذه التدابير”، وعلى أن “تحقيق الاستدامة المالية يتطلب نظاما ضريبيا مرنا، يتكيف مع التحولات الاقتصادية، دون إعاقة الابتكار والاستثمار”.

تحديات التطبيق والرقابة الضريبية

يتطلب تنفيذ الإصلاحات الضريبية المماثلة لإجراء “المادة 70 مكرر” آليات رقابة فعالة، في بيئة رقمية يمكن فيها إخفاء المعاملات أو تنفيذها عبر منصات أجنبية بسهولة، حيث ستحتاج الإدارة الضريبية إلى تعزيز قدراتها في المراقبة؛ فيما اقترح خبراء إنشاء شراكات مع المنصات الرقمية الكبرى للحصول على بيانات حول المعاملات والعائدات الخاصة بالمستخدمين المغاربة. ومع ذلك تثير هذه المقترحات أسئلة حول حماية البيانات الشخصية، إذ ينظر إلى الوصول إلى المعلومات المالية للمستخدمين كاختراق للخصوصية، بينما دعا آخرون إلى مقاربة متوازنة تضمن الفعالية الضريبية واحترام حقوق دافعي الضرائب.

وأوضح منير المستاري، خبير في القوانين الضريبية، في تصريح لهسبريس، أن “نجاح تطبيق الإصلاحات الضريبية المرتبطة بالمادة 70 مكرر يعتمد بشكل أساسي على فعالية آليات الرقابة وتوازنها، مع حماية حقوق دافعي الضرائب”، مشيرا إلى أن “البيئة الرقمية، بطبيعتها المعقدة والعابرة للحدود، تطرح تحديات كبيرة أمام الإدارة الضريبية، إذ يمكن بسهولة إخفاء المعاملات أو تنفيذها عبر منصات أجنبية، ما يجعل مراقبتها أمرا صعبا”، ومشددا على أن “التعاون مع المنصات الرقمية الكبرى للحصول على بيانات حول المعاملات والعائدات قد يكون خطوة ضرورية لتعزيز الشفافية والامتثال الضريبي”؛ ومع ذلك فإنه يحذر من أن هذا التعاون “يجب أن يتم ضمن إطار قانوني صارم يضمن حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، لأن الوصول إلى المعلومات المالية قد يُعتبر انتهاكا للخصوصية، إذا لم تحترم المعايير القانونية”.

وأكد المستاري في السياق ذاته أن “التحدي يكمن في إيجاد توازن دقيق بين ضمان فعالية الرقابة الضريبية وحماية حقوق الأفراد”، مشددا على “أهمية تبني مقاربة متوازنة تعزز من الشفافية وتحفظ الثقة بين الإدارة الضريبية ودافعي الضرائب”، ومعتبرا أنه “لتحقيق ذلك يتعين تطوير آليات مراقبة حديثة تعتمد على التكنولوجيا، إلى جانب وضع ضوابط قانونية واضحة، تضمن استخدام البيانات الشخصية في حدود ما يقتضيه القانون فقط”.

كما نبه الخبير الضريبي إلى أن “تحقيق الفعالية الضريبية يتطلب أيضا توعية دافعي الضرائب، خاصة العاملين في المجال الرقمي، بحقوقهم وواجباتهم، وتوفير الدعم اللازم لهم لفهم المتطلبات الجديدة”، مذكرا بأن “نجاح هذه الإصلاحات يعتمد على التواصل الفعال وبناء الثقة بين الأطراف المعنية، بما يضمن تحقيق الأهداف المالية للدولة دون المساس بمبادئ العدالة والشفافية”.

قد تقرأ أيضا