"برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب
“لا يهم العالم الذي سنتركه لأولادنا بقدر ما يهم الأولاد الذين سنتركهم لهذا العالم”، جُملة قالتها الأميرة لالة مريم، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، في خطاب لها مارس من العام 1999، ومازالت تؤطر مسار العمل الذي تقوده المملكة المغربية لأجل أطفالها الذين أُحدث لهم برلمان خاص بهم، احتفل اليوم بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في العاصمة الرباط بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه، في حفل ترأسته الأميرة نفسها، بحضور شخصيات حكومية وترابية وقضائية، وأعضاء سابقين وحاليين في “برلمان الطفل”، الذي أشرف طيلة ربع قرن من الزمن على تدريب أكثر من 4000 شاب، كثير منهم يتولون اليوم مناصب المسؤولية في العديد من القطاعات الحيوية في البلاد.
وتأسس “برلمان الطفل” باعتباره فضاء لتعزيز المشاركة والتربية على المواطنة بمبادرة من الملك محمد السادس في إطار العناية التي يوليها للنهوض بأوضاع الطفولة في البلاد، وفي إطار حرصه على التزام المغرب بتعهداته الدولية على هذا المستوى، إذ كانت المملكة من أوائل الدول التي بادرت إلى التوقيع والتصديق على مختلف الاتفاقيات والإعلانات الدولية ذات الصلة، على غرار الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989، والإعلان العالمي من أجل الحفاظ على رعاية الطفولة وحمايتها، وما استتبع ذلك من خطوات على الصعيد الوطني، حيث تم إحداث المرصد الوطني لحقوق الطفل، وبعدها “برلمان الطفل” الذي يعد من بين الأجهزة الرئيسية لتنفيذ هذه التعهدات، وتمكين الأطفال من التشاور بشأن قضاياهم وإسماع صوتهم وانشغالاتهم إلى الحكومة.
وتم خلال هذا الحفل الذي حضره عدد من الأطفال البرلمانيين الممثلين للجهات الاثنتي عشرة للمملكة (أعضاء حاليون)، إضافة إلى أعضاء سابقين، تجديد الهوية البصرية لـ”برلمان الطفل”.
كما جرى الاستماع إلى شهادات مرئية لعدد من النواب السابقين والحاليين الذين تحدثوا وبمشاعر صادقة عن الأثر الإيجابي والإنساني الذي خلفته تجربتهم في برلمان الطفل في حياتهم المهنية والشخصية، يتقدمهم يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات في الحكومة الحالية، الذي شعل عضوية هذا البرلمان خلال دورة 1999-2001، والمحامية بشرى الجاي، عن الدورة نفسها، ثم المخرج وصانع المحتوى مهدي مالاكان، عن دورة 2017-2019، وآخرون.
وفي إطار مبادرات المرصد الوطني لحقوق الطفل أقيم معسكر تدريبي أيام 16 و17 و18 احتضنته الجامعة الدولية للرباط، لفائدة 395 طفلا برلمانيا في مجال ريادة الأعمال ومناهج المشاريع والمقاولات، بالتعاون مع وزارة التعليم والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، حيث خضعوا لتكوين مكثف واقترحوا مشاريع إبداعية، خضعت بدورها لتقييم في إطار تصفيات، أسفرت عن تتويج أفضل ثلاثة أفضل مشاريع مقترحة في ختام التكوين، وأشرفت الأميرة لالة مريم على منح جوائزها للأطفال البرلمانيين الفائزين. ويتعلق الأمر بجائزة “أصوات المستقبل” و”قلب مواطن” و”صناع التغيير الشباب”. كما تم منح جوائز شرفية لثلاثة أطفال آخرين، من بينهم طفل من ذوي الهمم.
وفي دردشة مع هسبريس عبر إبراهيم العورف، طفل برلماني من مواليد مدينة القليعة بجهة سوس ماسة، عن سعادته بفوز مشروعه الذي يهم الاقتصاد في استهلاك الطاقة، مضيفا: “استفدنا كثيرا خلال التكوين الذي تلقيناه على مدار ثلاثة أيام على يد مشرفين وخبراء، حيث تم تلقيننا مختلف المراحل التي تهم تأسيس أي مشروع وتقديمه وتسويقه والبحث عن المستثمرين وإقناعهم بالاستثمار فيه. وقد وفقنا الله أن كان مشروعنا من ضمن المشاريع التي حازت على ثقة لجنة التحكيم”، مشيرا إلى أن “العضوية في برلمان الطفل تجربة فريدة تتجاوز أبعاد تكوين شخصية الفرد إلى بناء علاقات إنسانية قائمة على الانسجام ما بين الأعضاء الـ395 الذي يمثلون مختلف أقاليم وجهات المغرب”.
وفي ختام هذا الحفل جرى التوقيع، أمام أنظار الأميرة لالة مريم، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، على ثلاث اتفاقيات شراكة، الأولى بين المرصد ووزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، همت توفير الدعم للنواب الشباب في مشاريعهم المهنية، والثانية مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بهدف تعزيز أنشطة برلمان الطفل وتطوير المهارات الثقافية والمدنية للنواب، والأخيرة مع الوكالة المغربية للتعاون الدولي، بهدف تعزيز القيادة الشبابية في إفريقيا.
جدير بالذكر أن برلمان الطفل يضم في عضويته 395 طفلا برلمانيا، يتم اختيار 305 منهم على مستوى الدوائر الانتخابية اعتمادا على معيار التفوق الدراسي، بينما يتم اختيار الـ 90 الآخرين على أساس لائحة وطنية من بين الأطفال المغاربة الذين قدموا أحسن المشاريع ذات الصلة بحقوق الأطفال وبأهداف الألفية للتنمية، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو حتى المحلي.
وتتوخى هذه المؤسسة توفير منصة وطنية للأطفال للتعبير عن اهتماماتهم وآرائهم في شأن قضايا الطفولة، كما تهدف إلى تعزيز ثقافة المواطنة وترسيخ قيم الديمقراطية بين الأجيال الصاعدة، إضافة إلى خلق ثقافة الحوار بين الأطفال من جهة، وبينهم وبين الجهات الحكومية من جهة أخرى.