المعارضة: السيادة الصناعية "شعارات"
وجهّت فرق المعارضة بمجلس المستشارين ومعها تلك التي تُمثل مركزيات نقابية أكثر تمثيلية جُملة من “الانتقادات” إلى نتائج الصناعة الوطنية، إذ شككت في تمكن المغرب من “تحقيق سيادة صناعية حقيقية بعيدا عن الشعارات والخطابات، في ظل استمرار معاناته من التبعية في قطاعات صناعية عديدة”، مُسجّلة استمرار “ضعف مُساهمة البنوك في تمويل الاستثمارات الصناعية ومحدودية الميزانيات المخصصة لتوجيه البحث العلمي لحل إشكاليات تطوير القطاع الصناعي”.
ولم تنفِ الفرق عينها تماما، وهي تتحدث خلال الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة حول موضوع “منظومة الصناعة الوطنية كرافعة للاقتصاد الوطني”، بصمَ القطاع الصناعي المغربي على مؤشرات إيجابية عديدة؛ غير أنها أبرزت محدودية “أثر هذا التطور على المقاولات الصغرى والمتوسطة التي لا تزال تفتقر الدعم والولوج للتمويل، وكذلك على الشغيلة التي لا يزال بعضها يعاني من عدم التصريح الكامل لدى الضمان الاجتماعي”.
“سيادة بالشعارات”
يوسف إيدي، رئيس الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، قال إن “مقاربة موضوع المنظومة الصناعية كأحد أسس تعزيز الاقتصاد الوطني تستوجب طرح تساؤل جوهري: أين نحن من السيادة الصناعية الحقيقية؟”، مُعتبرا أنه “لا يمكن أن يظل الحديث عن هذه السيادة حبيس الشعارات والخطابات حملة الأوجه؛ إذ بعد عقدين من الاستراتيجيات الصناعية المتعاقبة ما زلنا نعاني من تبعية مقلقة في القطاعات الصناعية الاستراتيجية”.
وأبرز إيدي، في مداخلته، أنه، في ما يتعلق بقطاع صناعة السيارات، “يخفي النجاح الكمي للمغرب بتجاوز قدرته الإنتاجية 700 ألف سيارة سنويا هشاشة بنيوية حقيقية؛ فلا تزال نسبة الإدماج المحلي في المكونات التكنولوجية عالية الدقة متواضعة، وما زال المغرب عاجزا عن إنتاج المكونات الحيوي كالمحرك والأنظمة الإلكترونية المتقدمة”، مُسجلا أن “”يافطة تم تجميعه بالمغرب لا تزال داخل المخيال العام لأغلب المغاربة، حيث يفضلون السيارات المستوردة على تلك التي تنتج بالبلد”.
وأضاف المستشار عينه: “رغم النجاح الذي يحققه قطاع الطيران بالمغرب، المتمثل أساسا في استقطاب أزيد من 140 شركة طيران عالمية، فإن معظم نشاط هذا القطاع يقتصر على مكونات بسيطة نسبيا، حيث يفتقر المغرب إلى القدرات في مجالات التصميم والهندسة المتقدمة”.
وعند الانتقال إلى قطاع الصناعات الغذائية، حسب إيدي، يزداد الوضع تعقيدا، حيث “إن المغرب رغم موارده الفلاحية وقدرته على إنتاج مجموعة من المحاصيل لا يزال يعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية المصنعة؛ ما يعكس ضعف قدرة المغرب في الصناعة التحويلية”، مشيرا إلى ما يُشكله تصدير المواد الخام واستيرادها بعد التصنيع من عبء على الاقتصاد واستنزاف مالي”، لافتا إلى أنه “يهدد كذلك الأمن الغذائي الوطني، حيث إن الاعتماد على الاستيراد في تلبية احتياجاتنا الغذائية يجعل المغاربة عرضة لتقلبات الأسواق العالمية سواء من حيث الأسعار أو توفر المنتجات”.
وعلى صعيد آخر، استحضر أن مبادرة الأطلسي “تفتح أفقا جديدا أمام الصناعة الوطنية، خصوصا في ما يتعلق بالبنية التحتية والصناعة الحديدية والطاقية والبحرية؛ إلا أن الاستفادة من هذه الفرصة تتطلب تغييرا جذريا في مقاربة الحكومة”، مسجلا أن “تنفيذ هذه المبادرة لم يعد مقبولا معه أن نكتفي بدور المصنع المنخفض التكلفة للدول الأخرى”.
“عوائق تمويل وضعف ميزانية البحث العلمي”
يونس ملال، عن الفريق الاشتراكي المعارض الاتحادية، انتقد بقاء “المنظومة المالية عائقا أمام تطور الاستثمار في الصناعة، فبلغة الإحصائيات نجد أن القطاع المالي لا يمول إلا 9 في المائة من النشاط الصناعي في البلاد”، مبديا تفهمه “لأن القطاع الصناعي يكون دائما مبينا على أفكار وسلاسل إنتاجية مرتبطة بالأسواق الأجنبية ومجموعة من المخاطر، إلا أن ذلك لا يعفي الدولة من لعب دورها كضامن لهذه المؤسسات (البنوك) لكي تقدر على التفاعل الإيجابي مع هذه الأفكار والمشاريع”.
واستحضر ملال، في مداخلته، التغييرات الديموغرافية التي كشفت عنها نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، داعيا الحكومة إلى “امتلاك الجرأة في إعادة النظر في توزيع العقار، حيث يجب تفويت العقارات الذي استفادت منه مشاريع لم تنفذ لسبب أو آخر إلى مشاريع أخرى قابلة للتنفيذ”.
كما انتقد المتحدث عينه “ضعف المبلغ المرصود للبحث العلمي”، متسائلا في هذا الشأن” كيف لـ0,8 في المائة من قيمة الناتج الخام الوطني مخصصة للبحث العلمي أن تجعل المغرب قادرا على إنتاج بحث ومنتوج فكري قادر على تقديم حلول وإجابات لإشكاليات قطاعه الصناعي؟”.
وعلى صعيد آخر، سجّل المستشار “ضرورة إعادة النظر في الميثاق الجديد للاستثمار، بما يكفل تحقيق توزيع مجالي أكثر عدالة، وتوزيع عمودي يمكن المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة من ولوج إلى امتيازاته”، مُشيرا إلى أن “قيمة 50 مليار درهم للاستثمارات ليس بإمكان جميع المقاولات بإمكانها الولوج إليها، وخصوصا المقاولات البعيدة عن المراكز الصناعية الكبرى”.
“محدودية الأثر على المقاولات الصغرى والشغيلة”
نور الدين سليك، رئيس فريق الاتحاد المغربي للشغل، قال إنه يسجّل “بإيجابية” ما حققته الصناعة الوطنية في الخمس وعشرين سنة الأخيرة، من تمكن من جذب استثمارات أجنبية ورفع مساهمتها في خلق الثروة وتوفير فرص الشغل، فضلا عن تحقيق المغرب مراتب متقدمة في مؤشرات التصنيع.
غير أن المستشار شددّ على ضرورة التساؤل في “سياق الطموح لإرساء الدولة الاجتماعية حول حقيقة تأثير هذا التطور الصناعي على كافة الأجراء وعموم المغاربة، وآثاره على واقع العمال والعاملات وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، خاصة حقهم في الأجر الاجتماعي الذي يساهم في الرقي الاجتماعي وتنمية البلاد بكل أبعادها”.
ودعا سليك، في مداخلته، الحكومة إلى “عدم النظر إلى الأجر الاجتماعي على أنه تكلفة اجتماعية”، متسائلا: “فأي طعم وأي لون لهذا التصنيع وهذه الاستثمارات إن لم يكن مبتغاها هو الإنسان؟ وأي معنى حقيقي للدولة الاجتماعية إن لم تتم حماية العاملات والعمال من جشع الرأسمال؟”، مطالبا كذلك بـ”إرساء سياسة جديدة في التشغيل، قائمة على عدم تغليب العملية الانتاجية على حساب المنتج الحقيقي للثروة المتمثل في العاملات والعمال وإعطاء الأولوية للعمل اللائق ووضع جزاءات صارمة على كل من يخل بشروطه”.
وفي هذا الصدد شددّ على أن يضمن القطاع الصناعي الوطني “أجورا عادلة ويوفر الحماية الاجتماعية لكافة العاملات والعمال وحمايتهم من كافة أوجه الهشاشة الشغلية من أجل فرض التصريح الكامل بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.
أما لحسن نازهي، عن فريق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فانتقد “عدم تحقيق الخطط والمبادرات الحكومي للنتائج المرجوة والضرورية لتحقيق تحسن في هذا القطاع الحيوي”، مبرزا أن “مخطط تسريع التنمية الصناعية يهدف، كما تقول الحكومة، إلى تحفيز الشراكات بين الشركات الكبرى والمقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا؛ إلا أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل 95 في المائة من النسيج، لا تجد الدعم الفعلي في هذه الشراكات”.
وأوضح نازهي، في مداخلته، أن “الدعم المقدم لهذا الصنف من المقاولات لا يتجاوز الخطط الشكلية، ولا يواكب التحديات الحقيقية التي تواجهها في الميدان مثل الإجراءات البيروقراطية وتعقيد الوصول إلى التمويل”.
وسجل المستشار عينه، في سياق متصل، أنه “فيما يتعلق الابتكار والبحث العلمي في القطاع الصناعي، هناك عقود موقعة لدعم المشاريع الابتكارية؛ لكن ليست هناك أرضية خصبة للتنفيذ”، مشددا على أن “الأهمية ليست في توقيع العقود فقط؛ بل في توفير الدعم الفعلي للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تفتقر إلى الموارد المالية والبنية التحتية اللازمة للتطوير التكنولوجي”.
كما انتقدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على لسان مستشارها سالف الذكر، “بقاء العديد من الأراضي الصناعية التي كانت مخصصة للمشاريع، وبخلاف ما تدعيه الحكومة، عرضة لمضاربات عقارية ويُستغل بعضها لأغراض أخرى لا علاقة لها بالصناعة”، معتبرا أن “الحكومة لم تظهر إرادة حقيقية لمواجهة هذه الظاهرة”.