كثير من الإبداع.. قليل من المنع.. السينما المصرية تاريخ حافل من الفن والبهجة.. نقاد ومخرجون: التيار الإخواني وراء محاولة إضعاف القوة الناعمة لخطورة تأثيرها
كثير من الإبداع.. قليل من المنع..
السينما المصرية تاريخ حافل من الفن والبهجة
نقاد ومخرجون: التيار الإخواني وراء محاولة إضعاف القوة الناعمة لخطورة تأثيرها
مجدى محمد على: نقدم أفلامًا معلبة بلا روح حقيقية.. والسينما المصرية خلت من المشاهد العاطفية والإنسانية
رامي: هدر للطاقات الإبداعية وحبس للخيال
تواجه صناعة السينما والفن العديد من التحديات مثل الكُلفة الاقتصادية ومنافسة المنصات الرقمية والأخطر الرقابة وفرض الوصاية بأنواعها المختلفة، بل وطالت المنع من المهرجانات إثر منع عرض فيلم «آخر المعجزات» بافتتاح مهرجان الجونة السينمائى، وقد عُزى المنع لأسباب غير معلومة.
ويرى خبراء صناعة السينما بأن الرقابة لها وجهان، الأول محاولة سيطرة الجهات الرقابية على قواها الناعمة وحفظ السلام الداخلى شريطة ألا تكون رقابة متزمتة سلطوية، فيما يرفض آخرون الرقابة ويرى أنها ليست لها الكلمة العليا وأن جهات أخرى تفرض الوصاية ما يعد انتهاكا للدستور، بل وافتقدت الأعمال الفنية للروح بسبب الأفكار المٌعُلبة الجاهزة، بل خلت السينما المصرية من المشاهد العاطفية والتجسيد الحقيقى للمشاعر الإنسانية، وأضافوا بأنها تُهدر الطاقة الإبداعية وتحبس الخيال وتمثل مسمارًا فى نعش صناعة السينما والفن والإبداع.
أسباب غير معلومة
فوجئ المشاركون فى مهرجان الجونة السينمائى بمنع فيلم «آخر المعجزات» لأسباب غير معلومة، وتدور قصته عن رحلة الصحفى الأربعينى يحيى الذى يتلقى اتصالًا من شخص ميت أثناء وجوده فى إحدى الحانات، ما يقوده لرحلة روحية تنتهى بمصير غير متوقع، الفيلم مأخوذ عن قصة «خمارة القط الأسود» لأديب «نوبل» نجيب محفوظ، يلعب دور بطولته كل من خالد كمال، وأحمد صيام، وعابد عنانى، وظهور خاص للفنانة غادة عادل، ومن إخراج عبدالوهاب شوقى.
أزمة فيلم المُلحد
وعقب الهجوم الكبير الذى حدث ضد فيلم «الملحد» للكاتب إبراهيم عيسى، من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعى إلى جانب دعاوى قضائية تطالب بسحب ترخيصه، فاضطر المنتج أحمد السبكى لتأجيل عرضه تحت مسميات السينما النظيفة، وعلى ورغم إجازته من الرقابة لم يتحدد موعد طرحه حتى كتابة هذه السطور. والفيلم من بطولة أحمد حاتم ومحمود حميدة وصابرين وشيرين رضا وحسين فهمى، ومن إخراج محمد العدل.
الرقابة لا تملك الرأى الحاسم.. وجهات أخرى تفرض الوصاية
يقول المخرج مجدى أحمد: لم أشاهد الفيلم مثل الجميع ومتأكد أنه لا يدعو للإلحاد، وبالعكس هو فيلم يدعو إلى الإيمان، ولكن أصبحنا نخاف من مجرد مناقشة الموضوع وما أعلمه أن الرقابة وافقت عليه. فإذن هناك جهة أخرى هى التى منعت، وأعتقد أنها دينية، وهنا تكون الرقابة كمؤسسة دستورية فقدت حقها ووجودها وأصبح هناك آخرون يفرضون إرادتهم على المجتمع ومؤسساته الدستورية وهذه مخالفة خطيرة لأى دولة تريد أن تكون ديمقراطية. ونحن لا نطالب بدولة علمانية نريد أن تتولى كل مؤسسة مسئولياتها، فالأزهر والمؤسسات الدينية لها علاقة بالنصوص الدينية والتاريخ الدينى وليس بمناقشة الأفكار وما يحدث تدمير لروح الإبداع فى الوطن.
ابحث عن الإخوان
ويتفق معه فى الرأى، الناقد الفنى أحمدالسماحى: هى نوع من الرقابة المجتمعية على الأعمال الفنية، وهى رقابة للأسف غير واعية، وأحيانا تقودها كتائب إخوانية، أو كتائب مدفوعة الأجر، وهذه الرقابة أصابت نجوم الفن بالحيرة والتردد، لهذا صعب جدًا أن نجد اليوم قبلات أو مشاهد ساخنة، أو مايوهات مثل التى كنا نشاهدها فى أفلام الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. والطريقة المثلى للتعامل مع تلك الأزمات أن نعرض العمل، والعمل نفسه سيحكم على نفسه بالإعدام أو النجاح والمشاهدة الضخمة، يجب ألا نعطى أذاننا وأبصارنا كاملة لـ السوشيال ميديا فهى سم قاتل.
تاريخ المنع
تحدث المخرج مجدى أحمد على عن تاريخ منع الأعمال الفنية وقال: فى فترات سابقة كان هناك مناخ من الحرية يسمح بإظهار مشاعر الحب الطبيعية، وكان الشعب نفسه غير سائد به الاتجاهات الوهابية ومنطق احتكار الجسد الإنسانى والخجل منه، أصبح هناك خجل من شكلى وجسمى وشعرى وأصبح هناك إحساس بالتلاشى وهذا إحساس ضار على المستويين النفسى والإنسانى.
ويضيف «مجدى»: فى السينما أصبحنا الآن نقدم أفلاما أشبه بأفلام المدارس ُمعلبة جاهزة بلا روح حقيقية، لأن الرقابة تبدأ منذ بداية الكتابة، تراقب الفكرة بداخلك، وهى سيناريو ثم وقت التنفيذ، وبعدها بعض الأفلام تمنع من العرض، الرقابة لم تعد جهازا واحدا بل عدة جهات هناك مائة جهاز تراقبك منها الأزهر والكنيسة والأمن والنقابات المهنية، فعندما يتم تقديم نموذج لدكتور فاسد تقوم نقابة الأطباء وكأننا نتحدث عن المهنة ككل وليس نموذجا بعينه، فأصبحنا نجد أفلاما مثيرة للضحك، فالعمل ينتهى ولا نعرف البطل يعمل طبيبا أم مهندسا، بسبب الخوف من النقابات.
الأفوكاتو سبب أزمة مع نقابة المحامين
يواصل «مجدى»: عندما قدم المؤلف والمخرج رأفت الميهى فى فيلم «الأفوكاتو» المحامى حسن سبانخ ليجد هجوما كبيرا ودعاوى بالحبس لتقديمه نموذجا فاسدا، وكأنه قال إن المحامين جميعا فاسدون، أى مهنة تقدم تكون حالة درامية ونموذجا فى الفيلم، فهو عمل درامى وليس تسجيليا، وما نقوله الآن بديهيات كنا تجاوزناها من زمن، فالمجتمع أصبح لا يقبل نقد نفسه طوال الوقت بحرية وبراح، وأوقات يكون النقد مزيجا بين المديح والتنبيه والتحذير، لم تعد لدينا القدرة على ذلك كمجتمع.
قديما كانت الرقابة تمنع ثم تعرض بعكس الآن
يستطرد «مجدى»: فى أوقات سابقة كانت الأفلام مثل المذنبون، درب الهوى، والُمهاجر وبحب السيما وغيرها يتم منعها ورفع دعاوى ضدها وفى النهاية يتم عرضها، ولكن حاليا يتم المنع الكامل، كانت هناك لجنة عليا للتظلمات مكونة من أدباء ونقاد وقضاة وكان لها رأى نهائى، أعتقد لم يعد لها وجود. للأسف، الرأى النهائى فى إجازة العمل للعرض من عدمه ليس لهيئة المصنفات على الأعمال الفنية، فهى ترسل الأعمال لمائة جهة قبل أن تقول رأيها وهذه الجهات هى من تملك الرأى الحاسم، وياريت الرقابة يكون لها رأى حتى إن كان متواضعا ومترددا، هى تتلقى «المديح والشتيمة» وفى حقيقة الأمر ليس لها رأى، للأسف الشديد تم تجريدها من حقها الدستورى فى أن تكون صاحبة الرأى الأول الأخير.
ويواصل «مجدى»: نحن فى عصر لم يسبق له مثيل فى موضوع منع الأعمال خطورة ما نعيشه أن الأفلام بلا طعم ولا رائحة على المستوى العاطفى والإنسانى والسياسى؛ لأنه منذ أول التفكير على الكاتب أن يراعى هذه الرقابة المتعددة حتى ترضى كل الجهات فى الدولة، أصبح كل الناس من حقها أن تقول رأيها، بل وتفرضه على الفنان وعلى مؤسسات الإنتاج الفنى. وتطرق «مجدى»: للحديث عن الرقابة وقت فيلم «زوجة رجل مهم»، الذى عمل خلاله مجدى أحمد على كمخرج مساعد للمخرج محمد خان، وقال أشهد وقتها أنها كانت تتمتع بفكر مستنير وتم تقديم نموذج للضابط المنضبط بجانب تقديم شخصية الضابط الذى انحرف عن المسار الطبيعى وهو بطل العمل أحمد زكى والنقاش كان متوازنا والفليم أجيز ولا يعرف الكثيرون أنه كان هناك نقاش أمنى حوله قبل العرض، وهذه شهادة لجهاز الشرطة وأجهزة الأمن وقتها والمناخ الديمقراطى الذى كان سائدًا.
وتابع مجدى: حاليا الرفض غير مُعلن وغامض وبدون مواجهات، على عكس الحال أيام الاعتراض على بعض أعمال الكاتب وحيد حامد يكون الجدل معلنا والأسباب معروفة ومطروحة للنقاش، وكانوا يرسلون للسيناريست ويتم مناقشته ويثار الموضوع على صفحات الجرائد.
ويضيف «مجدى»: أدعو لاحترام المؤسسات واستقلالها وحريتها لأنه هو البداية الحقيقية لبناء أى وطن، وأى مؤسسة تمارس دور سواء دينى أو أمنى أو نقابى أو حتى اجتماعى ترى أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، لا أحد يملكها، مع الحفاظ على الثلاثة أشياء التى تخالف الدستور السابق ذكرها وهي القذف والسب الشخصى، التحريض على العنف، والتحريض على التمييز، غير ذلك الاختلاف والنقاش هو ما يخرج الحقيقة وهى دائما نسبية.
حلول.. اقتراح جهات تصريح للأفلام
وأخيرًا يقدم المخرج مجدى أحمد على؛ اقتراحًا لشكل الرقابة على المصنفات الفنية: رأيى أنه لا تسمى رقابة لأن معناها أن هناك أحدهم يفترض علمه بمصلحة الناس والوطن بشكل أكبر منا كفانيين، إنما تكون جهات تصريح للأفلام وألا يتم تعيينها من قبل الدولة، وتكون خاضعة بشكل أو بآخر لمزيج من اتحاد المنتجين مثلما يحدث فى أمريكا، والنقابات الفنية، وأن تمنح تصاريح العرض للأفلام بناء على قانون واضح ليس مطاطا، وتكون لها حصانة معينة ولها الرأى النهائى فى الأعمال الفنية. وتهدف هذه الهيئة الوحيدة للتواؤم مع الدستور فكل الموضوعات مباحة ما عدا ثلاثة أمور نص عليها الدستور المصرى، وهى: القذف والسب الشخصى، التحريض على العنف، والتحريض على التمييز، ومن يخالف هذا فعلا يكون للهيئة الحق فى منع العمل، لأنه يمس أمن وسلامة الوطن بشكل حقيقى.
وأشار مجدى أحمد على إلى التصنيف العمرى كإحدى طرق الرقابة وقال: فكرة ضرورية ولكن نفتقد آلية التنفيذ فى مصر، فلا يحدث أن يطلب شخص يقف على دور العرض البطاقة من الجمهور قبل دخوله للتحقق من عمره الحقيقى، وإن تركت الأمر للتقدير الشكلى فهى عمليا لا تنفذ، فأى شخص يصطحب أسرته للسينما أين سيترك أبناءه الأصغر سنًا، فالسينمات ليس بها مكان لاستيعاب الأشخاص الذين ليس لهم حق الدخول بناء على التصنيف العمرى.
وأضاف: إن كان هناك بعض الأفلام التى تتعدى ثقافة الأطفال، فصحيح أن يتم تطبيق التصنيف العمرى، مثلما يحدث فى العالم، ويجب إيجاد آلية تنفيذ عملية لذلك، ولكن ما لاحظته أن تصنيف، «+١٦»، و«+١٨» أصبح موضة وطريقة للترويج للعمل ويستخدم فى الدعاية الخاصة به، وعندما أشاهده لا أجد أى داعى لوضع هذا التصنيف، وأصبح هناك وجهات إنتاجية للأسف تطلبها لتحقيق الرواج للفيلم وأصبحت لدينا حساسية شديدة لما نسميه مشاهد جنسية، حاليًا أصبحنا لا نرى أى مشهد عاطفى، تقريبًا القبلات منعت فى السينما المصرية وهى شىء إنسانى يحدث بين أى اثنين يحبان بعضهما، أصبح أمرًا غير وارد.
خيرية: الرقابة للسيطرة على القوة الناعمة والسلطوية المتزمتة مرفوضة
تقول الناقدة الفنية خيرية البشلاوى: صناعة السينما فى كل دول العالم تتعرض للرقابة، لكن تتنوع أسباب الرقابة وأنواعها كوسيلة للسيطرة على القوة الناعمة التى تمثل سلاحا له وجوه كثيرة، سواء إيجابية أو سلبية أو مبددة، وهنا تحاول الدول الحفاظ على أمنها القومى وسلامها الداخلى فتحاول دائما السيطرة على القوة الناعمة.
تضيف «خيرية»: تتعدد الجهات ذات الصلة مثل صندوق مكافحة الإدمان لمراقبة بعض الأعمال الفنية التى تجمل وتشجع الإدمان، وقد رأينا فى مشاهد فى بعض الأعمال أن تعاطى المخدرات يتم بشكل يحفز فئة الشباب من لديهم استعداد لتعاطى المخدرات، فهنا يكون الحرص على سلامة الشباب والسلام الداخلى وأن تكون الأعمال الفنية غير محفزة للممارسات الخاطئة.
وتواصل «خيرية»: الرقابة والإبداع علاقة عكسية ودائمًا يسعى الفنان أن يكون حرا، ولكن بشرط أن يكون ملتزما وإيجابيا، وخاصة أن كل مجتمع له ظروفه ولدينا فى مصر ارتفاع نسبة الأمية، فنحتاج أن تكون الدولة قادرة على الرقابة والسيطرة على قواها الناعمة خاصة أن تصل للجماهير عبر نوافذ متعددة أو بطريقة ذاتية عن طريق التيلفون المحمول، فالبتأكيد أن للرقابة دور هام شريطة ألا تكون متزمتة ومتسلطة وأن تحاول أن تكون فى إيجابية للعمل الفنى ولا تجور على حرية العمل الفنى والفنان؛ لأنه يمثل قوة ناعمة إيجابية.
مسمار فى نعش الفن
أما الكاتب والناقد السينمائى رامى عبدالرازق فيرى أن مسألة فرض أى مجلس قومى، سواء للمرأة أو الأمومة والطفولة أو حقوق الإنسان وأى تدخل فى مراقبة الأعمال الفنية أو الاطلاع على النص بغرض مراقبته وليس بغرض الاستشارى مرفوض ويمثل هدر الجهد والطاقة الإبداعية لأى صناع أعمال، سواء درامية أو سينمائية، وهذا يشبه النظام العام الذى نعيش فيه وهو شديد الرقابة والتحفظ والقسوة على الخيال حتى أصبح الوضع الثقافى لدينا محبطا وطاردا للإبداع ما يمثل أن خبر محاولة فرض الوصاية ليس مفاجئا.
وأضاف رامى لـ«البوابة نيوز»: كان من الغريب نشر أخبار معاكسة أن يقوم أحد المجالس التى ذكرتها بممارسة دور استشارى فى الأعمال الدرامية من باب خلق شخصيات درامية مكتملة الأبعاد وقوية الملامح على دراية بالقضايا التى تطرحها، لكن ممارسة أى دور رقابى من أى نوع عبر إملاءات بالمنع أو السماح أو التوصيات مرفوض تمام، ولكنه جزء من المنظومة التى نعيش فيها، فليس من الغريب أن تمارس كل هيئة لديها قدر من النفوذ ممارسة سلطويتها بصورة قمعية فأى إبداء لرأى رقابى خارج إطار التنصيف الرقابة للعمل يمثل حبس للخيال والفكر والرؤية.
يواصل «رامى»: لا أعتقد أن أى شخص له فكر حر أو رؤية واعية لطبيعة الأعمال الفنية والحرية وسقف التعبير المطلوب من أجل طرح ومناقشة القضايا بشكل جدى وناضج يمكن أن يقبل أى نوع من أنواع الوصايا أيًا كانت الجهة التى يسمح لها بدور الرقيب، وهذا يمثل مسمارا جديد فى نعش الثقافة وصناعة الدراما والسينما؛ ونحتاج لجهة رقابية واحدة بها جميع التخصصات ومزيد من الحرية.
جهة رقابية واحدة
بدورها تقول الناقدة الفنية ماجدة موريس لـ«البوابة نيوز»: هناك جهات عديدة تتابع الأعمال الفنية مثل صندوق مكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، التى تتابع جميع المشاهد الخاصة بشرب السجائر أو تعاطى المخدرات وكانت القضايا منتشرة بشكل كبير ونتج عنها التركيز فى أعمال فنية لمناقشة ذلك وكنت ضمن الفريق الذى يتابع المشاهد والبحث هل وجود تحريض أم لا وهل القصة تعالج بشكل احترافى.
كما يدخل فى خط الرقابة المجلس القومى للطفولة والأمومة، وهنا تعدد الجهات الرقابة ليس فى صالح العمل الفنى أو الإبداع بشكل عام، ولدينا سؤال هل المجلس القومى يتأسى بغيره فى فرض الوصايا والرقابة، وفى حالة ذلك لا نضمن ظهور وزارات أخرى بوصايات أخرى. وتضيف «ماجدة»: من المفترض أن تكون هناك جهة رقابية واحدة ولها شكل متعدد يغطى جميع الأعمال الفنية بأنواعها، سواء «الأطفال أو المراهقون أو المرأة وغيرها»، والمراجعة أيضًا على الأخلاقيات العامة والذوق العام، ولكن ليس من الحكمة أن تمارس كل وزارة وصايتها على عملية الإبداع ولا توجد سوى رقابة رسمية واحدة وهى الرقابة على المصنفات الفنية. وهنا علينا إعطاء مساحات للحرية ثم بعدها نحكم ونجرى عملية التقييم.
وتواصل «ماجدة»: الاهتمام بقضايا الأطفال من الأمور المهمة لأنهم هم شباب المستقبل، لكن مسألة التحرش التى حدثت من الأطباء، هل يمكن أن نجد اعتراضا من نقابة الأطباء أو وزارة الصحة، فهى مسألة مرفوضة؛ لأن الظاهرة أصبحت قضية رأى عام تهم جموع الناس وعلى الأعمال الفنية مناقشتها بكل حرية.
ومع ظهور المنصات الرقيمة مثل نتفليكس ووتش إت وغيرها، التى تتيح مساحات من الحرية غير مسبوقة، تشرح «ماجدة»: التنافس لا يكون فى الأشياء أو المشاهد الممنوعة ولكن يجب أن تنصب المنافسة على الكتابة الجيدة من قصة وسيناريو وحوار والأفكار المنيرة اجتماعيًا والتى توجه رسائل منيرة مع العلم أن كل ذلك لن يأتى إلا عبر الإخراج الجيد. فالجودة لن تكون إلا فى الكتابة. وفى المنصات المدفوعة تظهر سلطة الأسرة فى الرقابة والمتابعة التى لو غابت سلطتها فمن يتابع أو يراقب، علاوة عن وجود تصنيفات تشير أن هذه المشاهد تناسب سن ما فوف ١٨ سنة مثلا.
وتشير «ماجدة»: يحق للمجتمعات أن تلجأ لجميع الوسائل لحماية نفسك وأفكارك ومعتقداتك وقيمك وأبنائك، ولكن هناك أشياء مساعدة مثل كفاءة الرقابة وإفساح المجال لكل الكُتّاب الجيدين أن يعملوا وعدم تركهم أسرى منازلهم. والاستعانة بهم لزيادة جودة الأعمال الفنية والدرامية. كما نحتاج لمزيد من الحرية فى الأفكار الإيجابية المضيئة والتركيز على الأعمال الجيدة وتكريمها مع الاستعانة بالكوادر خاصة أن الأجيال القديم ليس لديها القدرة على المطالبة بالظهور مثل ممثلى الجيل الحالى مثل أحمد عزمى حيث نشر فيديوهات أنه يحتاج للظهور، فالكتاب والمخرجين عاطلين فى بيوتهم فى انتظار أدوار خاصة أنهم عناصر جيدة ولهم تاريخ طويل ومشرف.
ومن ناحيته يقول الناقد الفنى «أندرو محسن»: الرقابة على المصنفات هى الجهة الرسمية الوحيدة المنوط لها ممارسة أعمال المتابعة وإعطاء التصريح لأى سيناريو، علاوة عن وجود«التصنيف العمرى» الموجودة منذ سنوات طويلة التى بدوره توضح مدى ملاءمة أى عمل للفئة العمرية وهو نظام معمول به فى جميع دول العالم، حيث توجد مساحة حرية فى تناول القضايا والاقتراب من الخطوط الحمراء وغيرها. فيدون أن العمل فوق كذا مع التوضيح السبب وهذا يظهر لدينا فى الأفلام والمسلسلات ولكن نحتاج شرح السبب.
يضيف «أندرو»: تعدد الجهات الرقابية أم مقبول كاستشارى لكن مرحلة إبداء الرأى الملزم أو القاطع بالحذف أو الإضافة يمثل تعطيل للعملية الإبداعية وسيفتح الفرصة لتصدى نقابات أو مهن معينة أمام الأعمال الفنية وهذا غير منطقى وغير معمول به فى أى دولة فى العالم، كل عمل فنى يعبر عن نفسه فقط ولا يعمم الأفكار التى يقولها بشكل عام.
يواصل «أندرو»: المنصات مثل نفليكس وغيرها مدفوعة وطالما دفعت هى موافقة ضمنية على جميع الأعمال التى يتم بثها خلالها، علاوة عن تنوع أعمالها بشكل كبير وبها الأعمال التى تصلح ما بين الأطفال والشباب وجميع الفئات. ويكون لديك القدرة ماذا تريد أن تشاهد علاوة عن وضوح التصنيف العمرى مع ذكر السبب.
السماحى: التصنيف العمرى أبرز الحلول.. ومراقبة دور العرض لكى لا تسمح بدخول أعمار سنية غير ملائمة
من جانبه قال الناقد الفنى أحمد السماحي: لابد أن يكون الفنان فى العمل الفنى هو رقيب على نفسه، وليس سلطة أو جهة ما، لأن الرقابة بوضعها الحالى المتردى، ومجموعة الموظفين الذين يؤدون عملهم كوظيفة، يجب التخلص منهم فورا، لأن العمل الفنى الحقيقى الصادق هو نوع من الإبداع، وهذا الأبداع يمكن أن نتفق أو نختلف عليه.
وتابع أحمد: كلمة الرقابة نفسها كلمة مطاطة، وغير معروفة الملامح، لهذا يجب أن نعطى للمبدع سواء مؤلف أو مخرج أو فنان، حقه فى الحرية والتعبير عن نفسه، دون أن نحجر عليه، بسيف الرقابة، وبعد عرض العمل، سيجد فى انتظاره رقابة أفظع، وهى رقابة الجمهور والسوشيال ميديا، وهى أشد ضررا من الرقابة التى نعرفها جميعا، والعمل الجيد سيقبل عليه الجمهور، والعمل السيئ سينصرف عنه الجمهور.
واستطرد السماحى: بالمناسبة رقابة الجمهور والسوشيال ميديا رقابة قاسية للغاية، لأنهم يحملون الرقابة ما لا يجب أن تفعله، ويطلبون من الفنانين أن يقوموا على تربية أبنائهم، أغلب مجتمعنا المصرى يلقى على الآخر المسئولية واتهام الآخر بفساد أخلاقه أو أولاده، فنجد رب الأسرة بدلًا من أن يمنع ابنه من مشاهدة عمل لا يناسب فئته العمرية، يطالب الرقابة بمنع العمل ككل، وأسهل شيء على المجتمع إلقاء اللوم على الفنان أو المبدع، لذلك المشكلة معقدة كثيرا.
وأشار أحمد السماحى إلى أن الرقابة فى أغلب دول العالم يرتبط مفهومها بالفئة العمرية وتصنيفات المشاهدة، وقال: أنا معها جدًا فى هذا، يجب أن يقتصر دور الرقابة على مشاهدة العمل الفنى، وتصنيفه عمريا.
وعن تطور دور الرقابة على المصنفات الفنية بين الانفتاح ووجود بعض المشاهد الجريئة، ومنع البعض الآخر يقول السماحى: المجتمع المصرى عامة والرقابة خاصة فى حالة ردة، ونعانى من عدم الوعى والثقافة، وهذا أثر بالسلب على الأعمال الفنية، لهذا لم تعد تشارك أفلامنا فى المهرجانات الكبرى مثل (كان) و(برلين) كما كان يحدث فى الماضى.
ويتابع الناقد الفني: ففى وقت من الأوقات كان الأديب العالمى نجيب محفوظ هو المسئول عن الرقابة، لهذا شاهدنا فى عصره من خلال سينما الخمسينات روائع فنية مهمة شاركت فى المهرجانات العالمية، لكن منذ سنوات والرقابة فى حالة تردى شديد، وترهل، وروتين حاد، وبيرقراطية.
وأردف أحمد السماحى عن منع بعض الأعمال وقال: الممنوع مرغوب هذه جملة لها تأثير السحر على الجمهور، لهذا من المفترض على الرقابة على المصنفات الفنية ألا يكون دورها المنع.
ولكن اللجوء إلى التقييم العمرى للأعمال، لتحديد من يستطيع مشاهدة هذه الأعمال، لأن الأعمال عندما تقيم بهذه الطريقة تمنع الأعمار غير المتفقة مع التقييم من مشاهدتها عند دخولهم للسينما أو المشاهدة عبر منصة، وبالتالى الرقابة سوف تكون على جانبين، من خلال التصنيف العمرى المراقب لمشاهدتها.
والثانى الرقابة على دور العرض السينمائية لكى لا تسمح بدخول أعمار سنية غير ملائمة للتقييمات الموضوعة، ولكن ليس الحل هو إلغاء عرض العمل تمامًا، خاصة فى الوقت الحالى الذى أصبحت فيه كل الأمور متاحة عبر الإنترنت.
وأشار أحمد السماحى إلى البيانات التى تخرج من من صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، وأيضا المجلس القومى للمرأة، كل عام عن تقييم دراما رمضان، وقال: للأسف الشديد لا أحد يعمل بها مهمة جدًا، لأنها مؤشر لوجود بعض السلبيات فى أعمالنا الفنية، خاصة السلبيات الخاصة بكثرة شرب الأبطال والبطلات للسجائر أو تناول الخمور بشكل مفرط.
وهذه البيانات نوع مخفف من الرقابة المجتمعية، لكنها رقابة ليست مؤذية مثل رقابة السوشيال ميديا التى تتخطى حدود الأدب والذوق فى بعض الأحيان، وتتحول إلى وقاحة، وسب وقذف.
أفلام تأجل عرضها
فيلم الٌملحد ليس الأول فى قائمة الأفلام الممنوعة من العرض، نذكر منها فيلم لاشين الذى أنتج عام ١٩٣٨، التى تدور أحداثه حول لاشين «حسن عزت» الذى يشغل منصب قائد الجيش، وهو يتميز بالعدل والحسم، ويقف على النقيض التام من رئيس الوزراء الذى يتربح من موقعه على حساب الشعب، ويحاول «لاشين» أن ينبه الحاكم لما يفعله رئيس الوزراء، فيتم تلفيق تهمة لـ«لاشين» ويتم إيداعه فى السجن، ولكن لا يدرك رئيس الوزراء أنه بفعلته هذه يسهم فى إذكاء النار المتأججة فى قلوب الشعب الغاضب. ومنع الفيلم من العرض وقتها، لأنه حمل فى ثناياه إسقاطًا سياسيًا يدين الذات الملكية ويعادى نظام الحكم فى مصر.
فيلم حمام الملاطيلى
أنتج عام ١٩٧٣ ويحكى عن الشاب أحمد «محمد العربى» النازح من بلدته إلى القاهرة ليبحث عن عمل بجانب الدراسة، يتعرف على الفتاة نعيمة «شمس البارودى» التى تعمل بالدعارة، تنشأ قصة حب بينهما وتأمل أن تعيش معه حياة نظيفة. يضطر أحمد إلى العمل والمبيت فى حمام الملاطيلى بالجمالية، وهناك يقابل رءوف الرسام الشاذ جنسيًا «يوسف شعبان» ومجموعة من الشباب الضائع، يزور أحمد المعلم صاحب الحمام «فايز حلاوة» فى منزله لمرضه، وهناك يقابل زوجته المرأة المتهتكة والشرهة للحب «نعمت مختار»، التى تقع معه فى علاقة آثمة، فى الوقت ذاته، تُقتل نعيمة، فيشعر أحمد بالذنب، ويقرر العودة إلى مدينته ليبدأ من جديد. حيث مُنع الفيلم من العرض بسبب المضمون المخل بالآداب والمشاهد الخارجة وتعرضه للمثلية الجنسية، ومنعته الرقابة حتى التسعينيات إلى أن تم حذف كثير من مشاهده ليعرض فى السينما.
فيلم زائر الفجر
تعرض الفيلم عام ١٩٧٥ إلى المنع من العرض للإسقاطات السياسية التى عرضها ومنع من استكمال عرضه بدور السينما مما أصاب منتجته «ماجدة الخطيب» بالإحباط وحاولت مقابلة الرئيس «السادات» فى تلك الفترة فى محاولة منها لطلب إجازة العرض إلا أن طلبها قوبل بالرفض.
وتدور أحداثه حينما تستقبل شرطة النجدة بلاغًا بمقتل صحفية يسارية بشقتها، ينتقل وكيل النيابة إلى مسرح الحادث، ويحاول التوصل للقاتل، يأتى تقرير الطبيب الشرعى بأن الوفاة طبيعية نتيجة مرضها بالقلب، وبالبحث حول ملابسات وفاتها، تتسع دائرة الجريمة من كونها وفاة طبيعية إلى جريمة قتل معنوية فى المقام الأول.
فيلم المذنبون
أنتج عام ١٩٧٦، وتتركز أحداث الفيلم حول جريمة قتل تكون ضحيتها الممثلة «سناء كامل»، والتحقيقات التى تطول كل من له صلة بالقتيلة، ابتداء من خطيبها الذى أبلغ عن وقوع الجريمة أصلًا، وكذلك كل الشخوص الذين كانت الممثلة سناء كامل على صلة بهم، حتى تصل التحقيقات كذلك إلى علاقاتها المتفرعة بعدة شخوص بارزين ونافذين فى السلطة، وكان الفيلم سببًا فى أول محاكمة لموظفى الرقابة الفنية بأمر من الرئيس السادات لموافقتهم على عرضه.
فيلم درب الهوى
وفى عام ١٩٨٣ منع من العرض فيلم درب الهوى، الذى تدور أحداثه حول «حسنية» العَالمَة وتدير فندقها للدعارة فى منطقة «درب طياب» بمعاونة «صالح»، ويتردد على الفندق «مراد» وصديقه «عبدالعزيز» الأستاذ الجامعى الذى يقع فى غرام «أوهام» مقررًا الزواج منها، بذات الوقت يتودد «مراد» لـ«سميحة» ويوهمها بحبه فيتفقان على سرقة مصوغات «حسنية» بمساعدة «صالح» بعد أن توهمه «سميحة» بحبها. وبعد عرض الفيلم بست أسابيع، صدر قرار وزارى بسحب ترخيص عرضه من دور العرض فى مصر لإثارته استياء المشاهدين، ولم يتم تجديد التصريح بعرضه سوى بعد ثمانى سنوات من منعه من العرض، أى فى عام ١٩٩١.
بحب السيما
أثار فيلم بحب السيما عام ٢٠٠٤ جدلا واسعا، وتدور أحداثه حول «عدلى» موظف مسيحى، متدين لدرجة التزمت حتى فى علاقته بزوجته «نعمات» وطفلاه «نعيم» و«نعمة» الذين يعاملهم بقسوة بالغة وبخاصة ابنه الذى يعشق السينما فى الوقت الذى ينظر إليها «عدلى» على إنها من المعاصى الكبرى ويمنعه من الذهاب إليها، ولكن «نعيم» الطفل الذكى يستغل أخطاء والديه ليدفعهم لاصطحابه الى السينما. وقدم محامون ورجال دين مسيحيون دعوى قضائية للمطالبة بوقف عرض فيلم بحب السيما بدعوى الإساءة للعقيدة المسيحية.
ناجى العلي
أنتج عام ١٩٩٢، وتدور أحداثه بعد واقعة الاغتيال التى تعرض لها الفنان الفلسطينى ناجى العلى فى لندن فى عام ١٩٨٧، يعود الفيلم بأحداثه إلى الوراء حيث يسترجع المحطات التى مر بها ناجى العلى فى حياته بدء من نزوحه مع أسرته إلى لبنان، ثم عمله فى الكويت، ثم عودته إلى لبنان مجددًا خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. وقد شنت عدد من الصحف المصرية حملات ضد الفيلم فى وقت عرضه بسبب بعض المواقف السياسية للفنان الراحل ناجى العلى، مثل موقفه الرافض لاتفاقية كامب دافيد.
وأثار ردود فعل واسعة أدت إلى غضب الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، ومحاربة الفيلم بل والمطالبة بمنعه من العرض. وحكى نور الشريف أيضا فى أحد اللقاءات التليفزيونية أن ياسر عرفات جاء بنفسه لغرض مقابلة الرئيس مبارك، لمنع عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى، وقال: «علمت أن أسامة الباز أخبر الرئيس وقتها أن الفيلم لا يحمل أى إساءة لمصر، وبالتالى تم عرض الفيلم».
شىء من الخوف
تعرض فيلم «شيء من الخوف» عام ١٩٦٩ إلى العديد من الانتقادات وقت عرضه ولاقى اعتراضا من الرقابة ظنًا أن شخصية عتريس ترمز إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذى أجاز عرض الفيلم بنفسه بعد أن شاهده أكثر من مرة معلقًا على شخصية عتريس «لو كنت بتلك البشاعة حق الناس يقتلونى».
وتدور أحداثه حول عتريس طفل برىء، ينمو وينضج لتتبدل شخصيته العطوفة بصورة طبق الأصل من جده فى قسوته، بطشه، جبروته، وتسلطه على حياة أهل قرية الدهاشنة بالإرهاب الذى يفرضه عليهم. يقع عتريس فى غرام فؤادة منذ الصغر ولكنها ترفضه بعد أن تَشبع بروح وأعمال جده المستبدة، لكن عتريس يطلب يدها من والدها رغم رفضها المتكرر الزواج به.