مصر.. جدل واسع بعد حكم "دستوري" بشأن قانون الإيجار القديم - سبورت ليب

مصر.. جدل واسع بعد حكم "دستوري" بشأن قانون الإيجار القديم - سبورت ليب
مصر.. جدل واسع بعد حكم "دستوري" بشأن قانون الإيجار القديم - سبورت ليب

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع سبورت ليب نقدم لكم اليوم مصر.. جدل واسع بعد حكم "دستوري" بشأن قانون الإيجار القديم - سبورت ليب

أثار حُكم المحكمة الدستورية العليا في مصر، بشأن عدم دستورية بعض الأحكام المتعلقة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجّر والمستأجر جدلاً واسعاً، والذي يهدف إلى إعادة التوازن في العلاقة الإيجارية بين الطرفين، مما يفتح الباب أمام تشريع جديد ينظم هذه العلاقة بشكل أكثر عدالة.

وأصدرت المحكمة الدستورية العليا -المنوط بها مراقبة تطابق القوانين مع الدستور- برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، السبت، حكماً "تاريخياً" بعدم دستورية بعض الأحكام المتعلقة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ويشمل هذا بطلان تثبيت الأجرة السنوية للوحدات السكنية.

ويبدأ تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب، (أي بحلول يونيو المقبل تقريباً) وأوضحت المحكمة أنها أعطت مهلة للمجلس التشريعي لحاجته إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الوحدات السكنية طبقاً للمناطق الجغرافية.

وفنّدت المحكمة المصرية في حكمها أسباب عدم دستورية تثبيت الإيجار الشهري قائلة: "فيما يتعلق بتحديد الأجرة، فيجب أن يستند إلى ضوابط موضوعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، وهو ما يستوجب تدخُّل المشرّع لضمان هذا التوازن، بحيث لا يُمكّن المؤجر من فرْض قيمة إيجارية استغلالاً لحاجة المستأجر إلى مسكن، كما لا يجب أن يُهدر عائد الاستثمار في الأرض والمباني نتيجة لتثبيت الأجرة".

ويفتح الحُكم الأخير الباب أمام تعديل القيمة الإيجارية لملايين العقارات المصرية التي يُدفع لها إيجارات يرى ملَّاكها أنها لا تتناسب مع الأسعار حالياً، فيما يطالب المستأجرون بوضع قواعد للقيمة الإيجارية الجديدة، وألا يُترك الأمر للمالك لتحديدها.

إعادة توازن العلاقات الإيجارية

نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار طارق شبل، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إن تطبيق الحُكم بعدم تثبيت القيمة الإيجارية في "الإيجار القديم"، سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من انتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي للبرلمان، (أي ابتداءً من يونيو المقبل تقريباً).

وأوضح شبل أن المحكمة بذلك أعطت مهلة للمشرّع للتدخل من أجل إعادة التوازن في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، موضحاً أن "المحكمة الدستورية العليا حكمت بعدم دستورية الفقرة الأولى، من المادة الأولى والثانية لقانون 136 لعام 1981 بشأن تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر".

وذكر أن هذه المادة كانت تحظر زيادة الأجرة عن نسبة 7% من قيمة الأرض عند الترخيص، وقيمة البناء عند البناء، بمعنى أن القانون قام بتثبيت الأجرة دون الأخذ في الاعتبار معدل التضخم، ما أدّى إلى الإخلال في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لصالح المستأجر على حساب المالك.

أصحاب العقارات.. تدنّي العوائد

ورغم عدم وجود إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل الخاضعة لقانون الإيجار القديم، إلّا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قدَّرها بنحو مليوني وحدة سكنية شاغرة بقيمة تقديرية تريليون جنيه (20.6 مليار دولار)، ويقع أغلبها في القاهرة والإسكندرية، وتخضع العلاقة الإيجارية في هذه العقارات لقوانين استثنائية صدرت منذ عام 1952، وامتدت بموجبها الإقامة في الشقة المؤجرة حتى بعد وفاة المُستأجر الأصلي لـ5 أجيال، إلى أن جاءت المحكمة الدستورية العليا، ففضَت الاشتباك عام 2002، بجعْل التوريث لجيل واحد فقط.

وتبدو المشكلة أوضح لدى قطاع بارز من المجتمع المصري، إذا يعيش أحمد شكري في منزله بحي المهندسين الراقي في القاهرة، والذي قال لـ"الشرق"، إن أسرته تمتلك بالمنطقة عدة عقارات وفيلا، إلّا أن العائد الإيجاري منها لا يتساوى مع القيمة الفعلية للعقارات.

وأوضح شكري: "لدينا فيلا بأحد شوارع حي المهندسين الراقي في الجيزة، تبلغ القيمة الإيجارية الشهرية الحقيقة لها نحو 100 ألف جنيه مصري (أكثر من 2000 دولار أميركي) إلا أن القيمة الإيجارية المدفوعة حالياً هي 10 جنيهات (نحو 20 سنتاً أميركياً، أي أقل من 1/5 دولار أميركي) وهذا بسبب أن عقد الإيجار الموقّع بينهم وبين المستأجر يعود إلى خمسينيات القرن الماضي".

وبخلاف الفيلا، هناك عقار آخر يسكن فيه شكري، هو ملك لأسرته وتُقدّر قيمته بملايين الجنيهات، وهو عبارة عن عمارة مكونة من أدوار عدّة، إلّا أن العائد الإيجاري لكامل العقار يبلغ 40 جنيهاً (أقل من دولار أميركي)، ورغم ذلك يُلزمه القانون بعمل صيانات وترميم للعقار، وتُقدّر قيمة هذه الإصلاحات بمئات الآلاف من الجنيهات، على حد قوله.

وتكمن الأزمة، حسبما أشار شكري، في أن بعض سكان العقار حالياً هم من أبناء وأحفاد المستأجر الأول، ولا يوجد في القانون المصري ما يمنع أن يرث الأبناء العقارات التي استأجرها ذووهم، لافتاً إلى أن أحد سكان العقار لا يزال يدفع بضع جنيهات كإيجار رغم أن جده هو المستأجر منذ الخمسينيات.

المستأجرون.. دخل محدود

في المقابل، تساءل إسلام الحاروني، وهو أحد المستأجرين وفق قانون الإيجار القديم، عن "كيفية تحديد الإيجار الجديد؟ ووفق أي قواعد؟"، منوهاً بأن قطاع كبير من المستأجرين هم بالأساس من كبار السن ممن يفتقرون لمصدر ثابت للدخل.

وفي حديثه لـ"الشرق"، قال الحاروني الذي استأجرت عائلته شقة ومحل تجاري بمحافظة الإسكندرية في شمال مصر وفقاً لقانون الإيجار القديم: "عندما استأجر والدي العقار كان بدون خدمات في الأساس، وأسرتي هي من أدخلت المرافق إلى العقار، وكلّفنا هذا الكثير من الأموال في ذلك الوقت".

وتابع: "والدي دفع (خِلِو) عام 1989 لاستئجار المحل، وكان مبلغ كبير في ذلك الوقت.. والآن عندما تطلب منّي إخلاء المحل أو زيادة الإيجار، فمن سيعوّضني عن هذا المبلغ الذي دفعناه.. وهل إذا تم التعويض سيكون وفق أي قيمة، فمبلغ 10 آلاف جنيه قبل 30 عاماً مختلف تماماً عن المبلغ نفسه حالياً".

وقديماً كان يدفع المستأجر مبلغاً من المال كمقدم لمالك العقار أو الوحدة يُسمّى بـ"الخِلِو" للاستفادة منها، وهو أمر كان منتشراً في مصر خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات.

وطالب الحاروني، مجلس النواب بوضع قانون يحدد القيمة الإيجارية بما يتناسب مع دخْل المستأجرين، لافتاً إلى أن شريحة كبيرة منهم ليست من ميسوري الحال، كما أن عدداً كبيراً منهم لا يعملون حالياً أو متقاعدون، حسب تقديراته.

ولفت الحاروني إلى أن وسائل الإعلام في مصر تركز على المناطق الراقية مثل المهندسين ووسط البلد (في العاصمة القاهرة)، في حين تتجاهل شريحة كبيرة من المستأجرين الذين يعيشون في مناطق أخرى على ضواحي المدينة، منبهاً إلى أن المناطق الراقية حالياً، كانت نائية في السابق.

توزان العلاقة بين المالك والمستأجر

من جهته، يرى ميشيل حليم، المستشار القانوني لرابطة المستأجرين (وفق قوانين الإيجار القديم) أن حكم المحكمة الدستورية يساعد على إنشاء حجية جديدة للمستأجر في امتداد العلاقة الإيجارية للمستأجر، حيث إنه لم يتعرض سوى لزيادة القيمة الإيجارية للوحدة أو العقار.

وبشأن تأثير قرار المحكمة الدستورية على المستأجرين وفقاً لقانون الإيجارات القديم، نوّه حليم في حديثه لـ"الشرق" بأن الأمر سيقتصر فقط على زيادة القيمة الإيجارية دون تَعرُّض المستأجرين للإخلاء أو الطرد.

وبحسب حليم، فإن الحُكم الأخير أكد على توزان العلاقة بين المالك والمستأجر، وهذا يعني عدم قياس الزيادة في القيمة الإيجارية وفقاً للقيمة السوقية الحالية، وهو ما ينبغي على المشرّع مراعاته بحيث تكون الزيادات تدريجية وعلى مدى سنوات، مشدداً على أنه لا ينبغي المساواة في القيمة الإيجارية بين المباني القديمة والحديثة، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً طبيعة المنطقة السكنية.

ولفت حليم إلى أن حُكم المحكمة الدستورية لم يتعرّض لمستأجري الوحدات الإدارية والتجارية، مرجعاً ذلك إلى أن القانون الحالي يشمل زيادات سنوية في القيمة الإيجارية لهذا النوع من الوحدات.

تحرك برلماني: تعديل التشريعات الحالية

وفي السياق ذاته، تدخّل مجلس النواب المصري لضبط الأمور بعد حُكم المحكمة الدستورية العليا، مؤكداً في بيان أنه كلّف لجنة الإسكان بإعداد دراسة مستفيضة عن ملف قوانين "الإيجار القديم"، بما في ذلك تقييم أثرها التشريعي، وفق محددات معينة أهمها الخلفية التاريخية لهذه التشريعات، وأحكام المحكمة الدستورية المتعلقة بها.

وأصدر المجلس بياناً أكد فيه أنه تابع الحكم، مشدداً على اهتمامه الخاص بالقوانين الاستثنائية التي تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والمعروفة بـ"قوانين الإيجار القديم"، إذ تمس العديد من الأسر المصرية، سيَّما وأنه كانت هناك محاولات سابقة لتناولها إلا أنها تعثرت لظروف عدّة.

وكشف البيان أن لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير بالمجلس أعدّت تقريراً مبدئياً عن قوانين الإيجار القديم، ومن المقرر عرْضه خلال الجلسات العامة المقبلة.

وأوضح البيان أن المجلس سيواصل مناقشة القوانين الاستثنائية لتأجير الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المُشار إليه، بروح من التوازن والعدالة، ملتزماً بحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر، فالأمر لا يتعلق فقط بضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، بل بخلق بيئة قانونية تعزز من الاستقرار الاجتماعي وتدعم النسيج المجتمعي.

قوانين الإيجار.. جذور الأزمة

وكان قانون الإيجار القديم يسمح بتوريث العقار أو الوحدة إلى ورثة المستأجر (حتى الجيل الخامس في بعض الأحيان) واستمر هذا الوضع حتى عام 2002 عندما قضت المحكمة الدستورية العليا بتنظيم مسألة "التوريث" وحدها، حيث أصبح التوريث ممكناً لجيل واحد فقط بعد وفاة المستأجر.

وبحسب القانون الحالي، لا يمكن تغيير القيمة الإيجارية المنصوص عليها في عقد الإيجار، ولهذا السبب لم تتغير قيمة الإيجار لهذه الوحدات منذ عشرات السنين، ومن هنا جاءت أهمية الحكم الدستوري الجديد وبصفة خاصة لأصحاب العقارات.

وكان مجلس النواب قد تدخّل في أكثر من مناسبة لتعديل هذا الوضع، إذ أقر تعديلاً على القانون عام 2022 يُطبَّق على الأشخاص الاعتباريين الذين يقومون باستئجار العقارات القديمة لأغراض تجارية، حيث سمح بزيادة الإيجارات بنسبة 15% سنوياً لمدة 5 سنوات على أن تنتقل بعدها الوحدة إلى المالك بقوة القانون.

وصدر أول قانون لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في مصر عام 1920، وكان يقضي بعدم جواز إخراج المالك للمستأجر إلا بحكم محكمة. وفي عام 1941، صدر قانون يمنع المالك من رفْع قيمة الإيجار أو طرد المستأجر، وذلك لظروف الحرب آنذاك. وبعد ثورة يوليو 1952 صدرت العديد من القوانين التي تُلزم المالك بخفْض قيمة الإيجار.

وفي عام 1981 صدر قانون جديد ينظم العلاقة بين الطرفين (المؤجّر والمستأجر) إذ حدد قيمة الإيجار بـ7% من قيمة الأرض، وزيادة الإيجار للعقارات غير السكنية بقيمة تتراوح من 5% و30% وفقاً لتاريخ تأسيسها، وهو القانون الذي طاله حُكم المحكمة الدستورية العليا مؤخراً.

ويوجد في مصر نوعان من النظام الإيجاري، الأول هو الإيجار غير محدد المدة، وكان شائعاً قبل عام 1996، وكانت العقود غير محددة المدة، والقيمة الإيجارية ثابتة، بل ويسمح للجيل الأول من المستأجر بأن يرث العقار المؤجر.

أما النوع الثاني فيعرف بـ"الإيجار الجديد"، ويخضع للقانون رقم 4 لسنة 1996، وصدر في 30 يناير 1996، وبدأ العمل به في اليوم التالي على صدوره، للحد من نطاق سريان قوانين الإيجارات السابقة بحيث تخضع كل عقود إيجار الأماكن للقانون المدني، ويطلق بذلك الحرية في التعاقد بين المالك والمستأجر فيـما يخص القيمة الإيجارية ومدة العقد.

قد تقرأ أيضا