انفصاليون في الجامعات المغربية.. أصوات هامشية تصطدم بالوحدة الطلابية
في ظل التحولات السياسية والحقوقية الداخلية التي شهدها المغرب خلال العقود الأخيرة، إضافة إلى التحولات الخارجية التي أحدثها المملكة في إطار تدبير ملف وحدتها الترابية، عرف الخطاب الانفصالي في الداخل المغربي تراجعا كبيرا أمام تنامي الوعي السياسي وافتضاح جملة من الأساطير التاريخية التي كان يروج لها رعاة الانفصال في الصحراء؛ غير أن هذا الخطاب ما زال حاضرا وإن بشكل أقل داخل أسوار الجامعات المغربية من خلال ما يسمى بـ”فصيل الطلبة الصحراويين” الذين يعادون المغرب في صحرائه.
ولا يكتفي هذا الفصيل بالمجاهرة بدعم الانفصال ورفعه لـ”خِرقته” والتغني بشعارات “الثورة والتحرير” التي أقبرها الزمن السياسي، داخل الحرم الجامعي؛ بل تمتد أنشطته إلى ما أبعد من ذلك، لتصل إلى ترهيب الطلبة سواء داخل أسوار الكليات أم داخل الأحياء الجامعية، وتهديد حياتهم ومسارهم الأكاديمي من خلال منعهم من اجتياز الامتحانات في عديد المرات، بمبررات “النضال” على الحقوق الطلابية، ليمتد الأمر إلى ممارسة الضغط على إدارات المؤسسات الجامعية وأحياء السكن الجامعي طمعا في بعض الامتيازات، وصولا إلى إدخال الأسلحة البيضاء “السواطير” إلى الحرم الجامعي من أجل ارتكاب جنايات وجنح ضد الأشخاص.
في هذا السياق، أكد مهتمون على أهمية فتح الحوار العقلاني وتعزيز دور الجامعات المغربية في التأطير وتوجيه الطلبة، من خلال انفتاحها على محيطها السياسي والسوسيو-ثقافي وتشجيع التفكير النقدي وتحفيز النقاش حول القضايا ذات الصبغة الراهنية والاستراتيجية، من أجل اجتثاث الفكر الانفصالي وكل الخطابات المتطرفة والعنيفة من الوسط الجامعي الذي يفترض خلوه من كل الخطابات المحرضة على الانقسام.
نموذج جامعي
قال محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن “الخطاب الانفصالي داخل الجامعات المغربية كان موجودا وإلى غاية تسعينيات القرن الماضي، نتيجة عدد من العوامل؛ أبرزها أن الأقاليم الجنوبية عاشت هي الأخرى فترة سنوات الرصاص، وكانت السلطات تفرض ضغطا أمنيا على هذه الأقاليم، ما ساهم في بروز خطابات انفصالية كرد فعل على ذلك، ووجدت في الوسط الجامعي، الذي كان مفتوحا، حاضنا لها”.
وأضاف ماء العينين، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “حضور هذا الخطاب في الجامعة تراجع مع بداية الألفية الثانية بشكل كبير في ظل الانفتاح الحقوقي والسياسي الذي حدث في المغرب انطلاقا من العهد الجديد، إلى درجة أنه يمكن اليوم أن يُقال في العيون أو الداخلة أكثر مما كان يقال في الجامعة، والدليل هو أن هناك اليوم بعض الجمعيات التي تنشط في الأقاليم الجنوبية وتجاهر بميولاتها الانفصالية ولا تتعرض لأية مضايقات من لدن السلطات”.
وشدد عضو المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات على أن “استمرار وجود أصوات في بعض المواقع الجامعية التي تتبنى الطرح الانفصالي، وإن كانت لا تتوفر على أي امتداد في الشارع السياسي ومنفصلة عن الواقع، ناتج بالأساس عن الرغبة في الحصول على صفة “مناضل” طمعا في امتيازات أو تمينا بشخصيات معينة، إذ يتم تبني هذا الطرح من أجل خلق أبطال ومناضلين يتم إلباسهم ثوب النضال. وبناء عليه، فإن الانتماء إلى فصيل الانفصاليين في الجامعة أضحى في نظر البعض وسيلة للاحتماء وللتغطية على تجاوزات أخلاقية أو حتى جنائية في بعض الأحيان”.
وأشار المتحدث عينه إلى أن “البوليساريو تعيش على وقع أزمة كبيرة؛ إذ كانت قد راهنت في فترة من الفترات على تفجير الوضع من الداخل المغربي، ومن الأقاليم الجنوبية بالتحديد؛ لكن مع بداية الألفية الثانية وتوجه المغرب إلى تنزيل الأوراش التنموية في الصحراء وتقليص الهوة التنموية بين الشمال والجنوب، ونجاحه في توحيد الصف الداخلي وراء قضية الوحدة الترابية ونجاحه الخارجي أيضا، لم تجد الجبهة بدا من محاولة لعب أوراق أخرى للتغطية على فشلها الداخلي؛ من خلال العودة إلى الأعمال المسلحة، على غرار ما وقع مؤخرا في المحبس وقبل ذلك في السمارة، ثم المراهنة على تجييش بعض الأصوات الانفصالية في الداخل وداخل الجامعات تحديدا”.
وخلص ماء العينين إلى أن “القضاء بشكل نهائي على الخطاب الانفصالي داخل الجامعات المغربية ومعه بعض الخطابات الأخرى التي تستند إلى العنف يفرض إعادة النظر في النموذج الجامعي وانفتاح المؤسسات والنخب الجامعية على محيطها السياسي والاجتماعي، وتعزيز الوعي السياسي للطلبة من خلال مبادرات بناءة وأنشطة محفزة للتفكير النقدي. وهذا الأمر كفيل أيضا بالحد من كل الظواهر التي تسيء إلى صورة الجامعة المغربية”.
ضرورة الانفتاح
أورد أبوبكر أنغير، رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، أن “الحرم الجامعي من المفترض أن يكون مجالا خصبا للبحث العلمي والحوار البناء الذي يساهم في بناء شخصية الطلبة، لا مجالا للعنف والتكفير ونشر الفتن وضياع الزمن التعليمي الأكاديمي”.
وأكد أنغير، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الجامعة المغربية كانت عبر التاريخ مشتلا لصناعة النخب الفكرية والثقافية والسياسية والحقوقية في إطار شعار (كل عمل في الجامعة له صداه في الشارع)”.
وأضاف المتحدث ذاته: “لكن للأسف الشديد استفحلت على السطح في السنين الأخيرة ظاهرة العنف الجامعي الفصائلي ولم نعد نسمع عن الطلبة القاعديين أو الإسلاميين ذوي التوجهات الأيديولوجية المتباينة الذين يتصارعون حول أفكار ومبادئ متمايزة، إنما أصبحنا نسمع اليوم عن طلبة هذه المنطقة أو تلك؛ فغاب النقاش الفكري والسياسي وتم تعويض ذلك بخوض معارك بينية واقتتال طلابي عنيف بدون أهداف محددة أو برامج واضحة أو تكوين نظري”.
وأوضح رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان أن “ميلاد فصيل ما يسمى بالطلبة الصحراويين جاء في سياق تفكيك الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وبلقنته وتجفيف منابعه لتنتصر معها حجة القوة والإقصاء على قوة الحجة والإقناع، حيث تم إلباس الطالب الجامعي ثوب الانفصال والشوفينية ونبذ الآخر، وهي أشياء لا يطيقها الحرم الجامعي”، لافتا إلى أن “تفشي خطاب الانفصال وانتشار شعارات الكراهية والعنف والتطرف داخل الجامعة يهدد الوعي الجماعي للطلبة ويسيء لقضايا الوطن”.
وشدد أنغير على “ضرورة أن يتم تناول تنامي خطابات التطرف والانفصال داخل الجامعة بعقلانية وفتح حوار عقلاني مع الطلبة وفتح الجامعات أمام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وإعادة الروح للحياة الجامعية عبر مداخل الرياضات الجامعية والمسرح الجامعي وتنظيم ندوات وأسابيع ثقافية، وقبل هذا وذاك تحسين أوضاع الطلبة ماديا ومعنويا؛ ذلك أن تفعيل الحياة الجامعية وتحسين شروط تعلم الطلبة وتشجيع الفكر الديمقراطي التنويري الذي يقوم على الحجة والدليل والحوار الديمقراطي السلمي من الآليات المهمة لاجتثاث الانفصال ومواجهة الأفكار الهدامة داخل الوسط الجامعي”.
عملية التأطير
قال عبد الفتاح الفاتيحي، رئيس مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، إن “وجود أصوات وخطابات متطرفة داخل الجامعات المغربية يأتي في سياق اندفاعات شبابية فيما يخص كافة الاتجاهات؛ لأن هذا الأمر لا يرتبط فقط بالفصائل المنتمية إلى مناطق محددة”.
وأضاف الفاتيحي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا الواقع يخلق ارتباكا أمنيا داخل الجامعات المغربية. وطبعا، ستكون له انعكاسات في المستقبل؛ غير أن الملاحظ هو أن هذه الأصوات سرعان ما تختفي مباشرة بعد المسار الجامعي ومغادرة أسوار الجامعة”.
وأوضح المتحدث أن “المغرب لا يعير أهمية كبيرة لهذه الأصوات كونها فعلا لا تنطوي على تهديد حقيقي للأمن العام وإن كانت تفرز صراعات عنيفة تنشب ما بين الفصائل الطلابية المختلفة إيديولوجيا”، مشددا على أن “النقاش الانفصالي ومختلف النقاشات والخطابات المتطرفة التي تتداول داخل الجامعات وتخرج عن الإجماع المغربي تبقى مقتصرة على الوسط الجامعي ومرتبطة، كما قلت، بنفس شبابي مؤقت يستغل حرية الرأي والتعبير المكفولة داخل الحرم الجامعي”.
وأشار عبد الفتاح الفاتيحي إلى أن “امتداد هذه الخطابات في عدد من المواقع الجامعية المغربية، بما في ذلك في المركز، يسائل الفاعلين في الجامعات حول مدى مساهمتهم في عملية تأطير وتوجيه الطلبة بالشكل الذي يمكن لمثل هذه النقاشات أن تكون مفيدة من خلال التأسيس لحوار حقيقي وصحي داخل الجامعة والتدريب على الترافع على القضايا ذات الرهانات الاستراتيجية والآنية بالنسبة للمغرب كقضية الصحراء”.
وأكد رئيس مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن “الجامعة المغربية يجب أن تكون واحدة من وسائل التفكير في مختلف التحديات التي تواجه المغرب في أفق الخروج بمخرجات وحلول لها؛ وبالتالي توجيه النقاش وهذا الاندفاع الشبابي نحو مشكلات بحثية ونحو البحث عن حلول للتحديات المطروحة. أما أن يكون النقاش تدميريا وعنيفا ومصادرا للحقوق، فهذا أمر غير مقبول ويعد خارج النسق الديمقراطي والثقافي المغربي”.