جمعية تنتقد دعم الأضرحة لـ"الخرافة" وتنتظر تنفيذ توصيات "المصالحة"
انتقدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر الهيئات المغربية المدافعة عن حقوق الإنسان، إيلاء الاهتمام الحكومي “للمهرجانات التي تحولت إلى مواسم للبهرجة ونشر الفكر الخرافي، وربطها بالأضرحة والزوايا”، موردة أن البلاد تتوفر على “5038 ضريحا و1496 زاوية ينفق عليها 14,6 مليار سنتيم، في حين لا تتوفر إلا على 600 مكتبة عمومية نصفها مغلق، بمعدل مكتبة واحدة لكل 100 ألف نسمة، حسب تصريح وزير الثقافة”، كما انتقدت “غياب الديمقراطية الثقافية في دعم الوزارة للمجال الثقافي”، و”استمرار الخروقات من خلال سحب الكتب من المعارض أو منعها أو مصادرتها”.
جاء هذا في التقرير السنوي للجمعية الخاص بوضعية حقوق الإنسان بالمملكة خلال سنة 2023 الماضية، الذي قُدّم الجمعة بمقرّها بالعاصمة الرباط، والذي من بين ما كشفته فيهِ اعتبارُها عددا ممن يسمون “معتقلي السلفية الجهادية” معتقلي رأي، “تم اعتقالهم ومتابعتهم على خلفية آرائهم وقناعاتهم أو معتقداتهم، وأغلبية المحاكمات بشأنهم انتفت فيها شروط وضمانات الحق في المحاكمة العادلة”، مطالبة بناء على ذلك “بإعادة محاكمتهم محاكمة عادلة ومنصفة أو إطلاق سراحهم”، علما أن “مقررا صدر من طرف المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي في حق بعضهم، وعددهم 6 من مجموعة بلعيرج، منهم واحد محكوم بالمؤبد، وخمسة محكومون بثلاثين سنة”.
وتابع تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي كشفَت خطوطَه العريضة الندوة الصحافية، أن “الدولة مازالت ترفض تبييض السجون من المعتقلين السياسيين ومعتقلي حرية الرأي والتعبير الذين يقضون محكوميتهم في العديد من السجون، ومن ضمنهم ما تبقى من معتقلي حراك الريف وعددهم 6 (ثلاثة منهم محكومون بعشرين سنة، واثنان بخمس عشرة سنة، وواحد بعشر سنوات) في حين غادر المعتقل محمد المحدالي السجن في مارس 2023؛ والمعتقلون الصحراويون في ملف مخيم “كديم ازيك” وعددهم 19 (ثمانية منهم محكومون بالمؤبد وأربعة بثلاثين سنة وخمسة بخمس وعشرين سنة واثنان بعشرين سنة)، في حين غادر المعتقل يحي محمد الحافظ إعزى السجن في مارس 2023 بعد انقضاء مدة حكم 15 سنة سجنا نافذا”.
وترى “الجمعية” أن سنة 2023، التي يغطيها التقرير، لم تشهد “التحسن المنشود، فيما يتعلق بالوضعية العامة لحقوق الإنسان بالمغرب”، كما اتهمت المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالفشل “في تدبير اشتغال الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التي أُسند إليه الإشراف عليها”، وزادت: “لقد أصبح المجلس يعمل بـ”مهنية عالية على تبييض الانتهاكات”.
وقدّرت الجمعية أن “عملية مراجعة وإصلاح المنظومة الجنائية لتغدو منسجمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، مازالت معطلة منذ سنوات، خصوصا فيما يتعلق بالمواد المتعلقة بإعمال العدالة، وصيانة حقوق المعتقلين، بتمكينهم من الاتصال بالمحامين وبعائلاتهم، وبإجراء الخبرات الطبية المستقلة، والحرص على الاحترام العملي للضمانات القانونية الموجودة في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وبوضع سجل وطني لمراكز الاعتقال وللأشخاص المعتقلين، يمكن للجميع الاطلاع عليه، والعمل على الاشتغال بالآليات القانونية والتكنولوجية لمراقبة مراكز الاعتقال النظامية؛ والعمل على مراجعة حكم تجريم “التبليغ الكاذب”، ثم عدم الاعتداد بأية تصريحات تتضمنها محاضر الضابطة القضائية يثبت أنها انتزعت تحت وطأة التعذيب، أو سوء المعاملة…”.
ومن بين ما يعرضه التقرير الجديد: “11 حالة وفاة في السجون تعتبرها العائلات غير طبيعية. و5 حالات وقعت داخل مراكز الشرطة والدرك أو أثناء الملاحقة من طرف الشرطة، و16 حالة وفاة في المستشفيات والمراكز الصحية جراء الإهمال الطبي أو الأخطاء الطبية أو ضعف البنية الاستشفائية، و132 حالة وفاة بسبب حوادث الشغل الناتجة عن غياب شروط السلامة بأماكن العمل والأوراش أو في حوادث أثناء التنقل للعمل، و6 حالات ناتجة عن لسعات العقارب ولدغات الحيّات وعضات الكلاب والسعار، و13 وفاة بسبب التسمم الغذائي أو بسبب الاختناق الناتج عن تسرب الغاز، و23 حالة وفاة بسبب الكحول الفاسدة والمغشوشة، و5 وفيات بسبب التشرد وظروف البرد”.
كما تطرق إلى “الوفيات الناتجة عن الغرق في الوديان والسدود وخلال محاولة الهجرة عبر قوارب الموت”، وهي، حَسَبَ ما توصلت إليه الجمعية، “131 لا تمثل إلا نسبة صغيرة من العدد الحقيقي”.
وبالنسبة لعقوبة الإعدام، ذكرت الجمعية أن “الحركة الحقوقية والديمقراطية ببلادنا مازالت تنتظر ترجمة التزام الدولة المغربية بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة على أرض الواقع وفي التشريعات، وذلك عبر تصديقها على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام”.
وانتقدت “الجمعية” الهجوم على حرية الرأي والتعبير “باستمرار اعتقال الصحافيين والمدونين ونشطاء الاحتجاجات السلمية، الذين حوكموا على خلفيات تدوينات أو منشورات أو فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو تحقيقات صحافية، أو بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية خلال السنوات الماضية، ومنهم من يقضي عقوبات حبسية سالبة للحرية، ومن يتواجدون في حالة سراح في انتظار الاستئناف أو النقض، ومن صدرت في حقهم أحكام بالحبس موقوف التنفيذ وعددهم الإجمالي حوالي 62 (…) إضافة إلى العشرات من الاستدعاءات والتوقيفات والمتابعات القضائية التي بقيت مفتوحة كسيف مسلط على رقاب المواطنين المعنيين بها”.
وسجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن “الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز تعيش بعيدة عما يجري في أماكن الاحتجاز المختلفة”، مردفة أن “سياسة الإفلات من العقاب، برغم ما حمله التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، مازالت سائدة، خصوصا لما يتعلق الأمر بالقوات المكلفة بإنفاذ القانون”، وسجّلت أيضا “التجاهل الذي تقابل به المراسلات والشكايات التي توجه لعدد من الجهات الرسمية (رئاسة الحكومة، وزارة الداخلية، إدارة الدفاع الوطني، وزارة العدل، الإدارة العامة للأمن الوطني، المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج…) بل وحتى المؤسسات الوطنية، وخصوصا منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان”.
أما فيما يعني حرية المعتقد، فذكرت الهيئة الحقوقية ذاتها أنه “رغم تصديق المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، إلا أن هذا التصديق لم ينعكس على التشريعات المحلية لضمان حماية حرية المعتقد وباقي الحريات الفردية”، وواصلت شارحة: “من ضمن المقتضيات المقيّدة اعتماد الإسلام الدين الرسمي للدولة، واعتبار كل المغاربة مسلمين متبعين للمذهب المالكي الأشعري السني باستثناء الأقلية اليهودية المعترف بها، رغم التنوع الديني للنسيج المجتمعي”، علما أن “القانون الجنائي سالب لحرية المعتقد ولباقي الحريات الفردية (الفصول 220 ـ 222 ـ 267)، كما أن المغاربة المسيحيين والشيعة، والمغاربة من مذاهب أخرى وحتى اللادينيين، يتعرضون للاضطهاد”.
وفيما يتعلق بالتشغيل والبطالة، ذكرت “الجمعية” أن سنة 2023 اتسمت “بتفاقم أزمة الشغل بالمغرب؛ فقد كان عدد المناصب المالية المحدثة في الميزانية العامة ضعيفا لم يتجاوز 27.725 منصبا، استحوذت وزارة الداخلية وإدارة الدفاع على أكثر من نصفها (52.4%)، في حين لم تتجاوز حصة كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار 8,5 بالمائة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل نسبة 0.4 بالمائة من هذه المناصب. أما قطاع تفتيش الشغل، السائر في طريق الانقراض، فهو لن يحظى في أحسن الأحوال سوى بـ60 منصبا جديدا، مما سيعمق الخصاص المهول في مفتشي الشغل وأطباء الشغل ومهندسي الصحة والسلامة الموكول لهم مراقبة تطبيق معايير الشغل وينعكس سلبا على واقع الحقوق الشغلية بمواقع الإنتاج، خصوصا في مقاولات القطاع الخاص”.
وأضافت: “بشكل عام، فإن السياسة العمومية في مجال التشغيل لم تمنع من فقدان الاقتصاد الوطني 158 ألف منصب شغل سنة 2023، مما جعل معدل العطَالة يقفز إلى 13 بالمائة، وهو معدل رسمي لا يأخذ بعين الاعتبار البطالة المقنعة ومختلف مظاهر هشاشة الشغل المتنامية في كل القطاعات”.
أما فيما يتعلق بالحق في التعليم، فأورد تقرير “الجمعية” أنه وفق “الإحصائيات الرسمية، فقد بلغ العدد الإجمالي للمتمدرسين بالمغرب، برسم الموسم الدراسي 2023/2024، في الأسلاك الثلاثة، ما مجموعه 7.392.050 تلميذا وتلميذة، بزيادة ضئيلة لا تتجاوز 11 بالمائة، وهذا في حد ذاته مؤشر دال، إلى جانب عدة مؤشرات أخرى، على فشل المنظومة التعليمية في بلادنا في تعميم التعليم العمومي، حيث إن نسبة التحاق أطفال الفئة العمرية بين 4 و5 سنوات لم تتجاوز 78.7 بالمائة، يضاف إلى ذلك تواصل الهدر المدرسي، حيث بلغ عدد التلاميذ والتلميذات الذين واللواتي غادروا المدرسة في الموسم الدراسي 2022/2023، 294.458 تلميذا، 45 بالمائة منهم بالوسط القروي (…) ويضاف هذا العدد إلى ما مجموعه 334.664 تلميذا غادروا الدراسة في موسم 2021/2022، و331.558 تلميذا انقطعوا عن الدراسة في موسم 2020/2021، ليصبح مجموع عدد التلاميذ والتلميذات المنقطعين عن الدراسة في المواسم الدراسية الثلاثة الأخيرة هو 960.680 تلميذا وتلميذة”.
كما تحدث التقرير عن “الاحتقان الكبير” الذي عرفه “قطاع التعليم في سنة 2023 (…) وخاضت على إثره أسرة التدريس إضرابات متتالية في الأسلاك الثلاثة، شلت على إثرها الحياة المدرسية حوالي أربعة أشهر متتالية، بسبب عدم فتح الوزارة الوصية حوارا جديا مع النقابات التعليمية حول الملفات المطلبية لأسرة التعليم، ولم يتم تجاوز هذا الاحتقان إلا بعد فتح حوار مع النقابات التعليمية، أفضى إلى توقيع اتفاق متراضى عليه”، مع انتقادها “نهج أسلوب القمع والانتقام من الأساتذة والأستاذات المضربين، عبر الاقتطاع من أجورهم، وقمع أشكالهم النضالية، وصولا إلى متابعة بعضهم أمام المحاكم بتهم مفبركة، لثنيهم عن مواصلة أشكالهم النضالية المشروعة، وخاصة في فئة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.
أما الحق في الصحة، فوصفت “الجمعية” في شقِّه تحديات “المنظومة الصحية” بأنها “تؤدي إلى وضعية صحية مزرية”، لها أسباب “من بينها نقص التمويل، حيث لا تخصص الدولة إلا نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي للصحة، مقارنة بالدول الأخرى. فالميزانية العامة لوزارة الصحة ما زالت تتراوح بين 5 بالمائة و6 بالمائة من الميزانية العامة، عوض 12 بالمائة الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية”.
وتقدر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الحاصلة على صفة المنفعة العامة، أن أوضاع الطفولة بالمغرب “تعرف تراجعا خطيرا على أكثر من مستوى”، من بينها “الهدر المدرسي”، وتشغيل الأطفال، حيث بلغ عددهم “127 ألف طفل، 1 بالمائة منهم يزاولون أعمالا خطيرة”، كما “سجلت النيابات العامة عددا كبيرا من قضايا الاعتداء الجنسي ضد الأطفال”، إلى جانب “تفاقم ظاهرة تزويج الطفلات” والتزايد في “ظاهرة الأطفال في وضعية صعبة، وضعية الشارع”، علما أن البلاد لا تتوفر إلا على “83 مركزا لحماية الطفولة، يفتقر أغلبها للمعايير الدولية لإيواء الأطفال والطفلات في وضعية صعبة”.
وبالنسبة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ذكرت “الجمعية” أن “المغرب ما زال يعاني قصورا قانونيا في سياساته من أجل إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة في تعليمهم وتكوينهم، وغياب استراتيجية في موضوع تأهيل الذين يعانون من إعاقة حركية، خاصة في البوادي، وعدم توفير آلات المشي والكراسي المتحركة. علاوة على عدم توفير الإعداديات بالنسبة للصم البكم بعد إنهاء المرحلة الابتدائية، وضعف التشغيل رغم التنصيص على 7 بالمائة”، وهو ما تضاف إليه “صعوبات متعلقة بالخدمات الصحية، وصعوبة الحصول على أدوية، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى أماكن تقديم الخدمات الصحية وشبه الطبية”.
وفي شقّ الهجرة غير النظامية، أوردت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إحصائيات حول “توقيف وترحيل المهاجرين من جنوب الصحراء إلى أماكن مختلفة من مناطق المغرب الداخلية، وتعرضهم للمطاردات والاحتجاز غير القانوني، إضافة إلى تنامي السلوكات العنصرية”، مع ذكرها أن “أغلب المهاجرين والمهاجرات (غير النظاميين) يعيشون على التسول، ولا يتوفرون على سكن، ولا على التغطية الصحية”.