"قرار عاملي" يحفز تعميم منع زراعة البطيخ الأحمر في الجنوب الشرقي

"قرار عاملي" يحفز تعميم منع زراعة البطيخ الأحمر في الجنوب الشرقي
"قرار عاملي" يحفز تعميم منع زراعة البطيخ الأحمر في الجنوب الشرقي

رغم الأمطار الطوفانية القياسية التي شهدتها مناطق المغرب الشرقي خلال شهر شتنبر الماضي، لا يزال النشطاء والمهتمون بالبيئة وفئة مهمة من ساكنة هذه المناطق ينشدون بإلحاح الحد من الزراعات المستنزفة للمياه، وهو ما تبين مؤخرا التقاطه من طرف عامل إقليم تنغير، إسماعيل هيكل، الذي أصدر قرارا جديدا بمنع زراعة البطيخ، بنوعيه الأحمر والأصفر، في كافة الجماعات الترابية الواقعة في نطاق نفوذ الإقليم خلال الموسم الفلاحي 2024-2025.

وبرر عامل إقليم تنغير هذا القرار، تتوفر جريدة هسبريس الإلكترونية على نسخة منه، بالخصاص المسجل في الموارد المائية على مستوى الإقليم، الذي تسبب فيه “توالي سنوات الجفاف والاستغلال المفرط للمياه الجوفية وما خلفه من إجهاد مائي بشكل كبير على الموارد المائية”.

وسيعهد بالتتبع الدقيق لاحترام بنود هذا القرار، الذي دخل حيز التنفيذ بدءا من 8 نونبر الجاري، إلى “اللجنة الإقليمية للماء المحدثة بموجب القرار العاملي رقم 11 المؤرخ في 12 مارس 2020″، على أن “تجتمع هذه اللجنة على الأقل مرة في الشهر، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، ويحدد رئيسها تاريخ اجتماعاتها وجدول أعمالها”، وفق وثيقة القرار.

وحفز قرار عامل إقليم تنغير مطلب نشطاء “منع زراعة الدلاح في زاكورة هي الأخرى على اعتبار أنها تعيش أزمة مائية أكثر حرجا مقارنة بتنغير، ونظرا كذلك لقرار عاملها بتحديد المساحات المزروعة من البطيخ الأحمر في هكتار واحد سبق أن أثبتت التجربة أنه ساهم في تعميق معاناة الفرشة المائية بالمنطقة نظرا لسهولة التحايل عليه من قبل عدد من الفلاحين”، وفق النشطاء أنفسهم الذين أكدوا لهسبريس “وجود بواد تحايل على الإجراء القاضي بإلزامية وضع عدادات بالآبار والثقوب المائية لحساب الكميات المستخرجة من المياه، الذي يعد المستجد في قرار عامل إقليم زاكورة بشأن زراعة الدلاح هذه السنة”.

ضرورة التعميم

جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، ثمن “قرار منع زراعة البطيخ بنوعيه الأحمر والأصفر بإقليم تنغير، نظرا لأنه ينسجم مع تحول منطقة الجنوب الشرقي عموما من وضعية الخصاص المائي إلى العجز المائي، ويعد تنزيلا لدعوة الملك في خطاب العرش الأخير إلى اتخاذ كل التدابير والإجراءات الكفيلة بحماية الفرشة المائية من الاستنزاف، خصوصا بالمناطق التي تعيش أزمة مائية حرجة”.

واستدرك أقشباب بأن “الوضعية المائية في تنغير جيدة ومريحة جدا مقارنة بزاكورة، إذ إن الموارد المائية السطحية والباطنية لتنغير لم تتعرض للاستنزاف بشكل حاد كما حدث في زاكورة”، لافتا إلى أنه “بهذا المعنى، كان أحرى أن يصدر قرار ينهي زراعة الدلاح المستنزفة للموارد المائية بزاكورة قبل غيرها، عوض مفاجأتنا باستنساخ قرار تحديد المساحات المسموح بها لزراعة البطيخ الأحمر والأصفر هذه السنة أيضا، رغم أنه كان عديم الأثر على الفرشة المائية خلال السنوات الماضية، بل ساهم في استنزافها”.

وشرح رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المستجد الذي جاء به قرار عامل إقليم زاكورة هذه السنة، أي إلزامية تركيب عداد مائي بكل بئر لحساب كمية المياه المستخرجة، لن يساهم في ترشيد استغلال الموارد المائية من قبل مزارعي الدلاح؛ فنسبة مهمة منهم وجدت منذ الآن تخريجة (حلا التفافيا) لهذه المسألة، تتمثل في استعمال ثلاث مضخات على أساس تركيب العداد المائي لمضخة واحدة وعدم تشغيلها بشكل دائم، والاعتماد أساسا على المضختين الأخريين، وذلك وفق مصادر موثوقة من الفلاحين”، وفق تصريحه.

وأشار إلى أنه “خلال السنوات السابقة تبين أن بعض الفلاحين يتجاوزون على أرض الواقع مساحة الهكتار الواحد المسموح بها للمزارع الواحد؛ إذ يلجؤون إلى الزراعة في أراض مملوكة لأحد الأقارب أو أحد الفلاحين الآخرين، بالإضافة إلى أراضيهم، ما يجعلهم بعيدين عن المساءلة”.

ورفض أقشباب تبرير “الاستمرار في زراعة الدلاح بالأمطار الطوفانية المهمة التي شهدتها المنطقة خلال شهر شتنبر الماضي، نظرا لأنها لا تعني نهاية فترة الجفاف الذي بات بنيويا وهيكليا بالمنطقة”، محذرا في هذا الصدد من “إعادة تجربة ما بعد سنة 2014، حينما عرفت المنطقة تساقطات مطرية مماثلة أفضت إلى فائض مائي مهم إلا أنه سرعان ما جرى استنزافه من قبل زراعات هذه الفاكهة وزراعات أخرى دخيلة”.

ودعا المتحدث إلى “ترشيد الموارد المائية المتبقية الناتجة عن الأمطار الطوفانية والسيول الأخيرة من أجل استثمارها في الزراعات الاستراتيجية، وعلى رأسها زراعة النخيل، وتبديد شبح العطش الذي ما يزال يطرح تحديا للمنطقة”.

صرامة السلطة

إبراهيم الزين، مزارع بإقليم زاكورة، قال: “مبدئيا، الوضع المائي بمنطقة تنغير يعد متحسنا بشكل كبير مقارنة بزاكورة، لكون الطبيعة الجغرافية للأولى تسمح لها بتخزين أكبر قدر ممكن من الموارد المائية الناتجة عن التساقطات المطرية أو الثلجية”، غير أنه “رفض تطبيق قرار منع زراعة الدلاح في زاكورة كذلك، نظرا لكون هذه الزراعة باتت محركا للرواج الاقتصادي وفرص الشغل بالمنطقة”، معتبرا أن المنع سيفتح الباب أمام احتجاجات المئات من الأسر التي لا تملك أي مصدر دخل لتأمين قوتها سوى هذه الزراعة”.

وأضاف الزين، في تصريح لهسبريس، أن “تخلي الفلاحين عن زراعة الدلاح غير ممكن، نظرا لانعدام خضراوات أو فواكه بديلة يمكن أن تنجح زراعتها بالمنطقة”، مستدركا بأنه “جرى التفكير في زراعة الجزر، لكن وفقا لتأكيدات مهندسين وفلاحين، فإن هكتارا واحدا فقط من هذه الزراعة يستهلك من المياه ما يعادل استهلاك أكثر من ثلاثة هكتارات من البطيخ الأحمر، ما يجعل هذه الزراعة مستبعدة في الوقت الحالي”.

وأكد المزارع عينه “التزام غالبية المزارعين باحترام مساحة هكتار واحد المنصوص عليها في القرار العاملي، رغم كون هذا الهكتار لا يشجع على الزراعة أساسا، إذ لا تصل أرباحه حتى إلى مليون سنتيم”، مشيرا إلى أنه “نظرا لشساعة المساحات المزروعة بالإقليم، لا يمكن تماما أن ننفي وجود فلاحين انتهازيين بالمناطق البعيدة والداخلية على وجه التحديد، غير أن مسألة مراقبة هؤلاء وضبطهم هي مهمة السلطات المحلية في نهاية المطاف”.

وأقر بأن “اللجان المكلفة بالتتبع والرصد الميداني لتطبيق القرار العاملي لا تدخر جهدا، إذ تنظم زيارات تفقدية إلى ضيعات المنطقة ومن يتم ضبطه مخالفا ترتب في حقه الجزاءات اللازمة”، مضيفا أن “السلطات المحلية بالمنطقة حذرت جميع الفلاحين من عدم الالتزام بمقتضيات القرار الأخير، لا سيما عدم تركيب العدادات المائية، الذي قد ينجم عنه ردم الآبار التابعة للفلاح المخالف للقرار”.

قد تقرأ أيضا