مع الشروق .. أزمة إنتاج قبل أن تكون أزمة أسعار ومضاربة..
نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. أزمة إنتاج قبل أن تكون أزمة أسعار ومضاربة.., اليوم الخميس 21 نوفمبر 2024 10:43 مساءً
نشر في الشروق يوم 21 - 11 - 2024
لن تنفرج أزمة فقدان بعض المواد الغذائية ولن ينحلّ مشكل ارتفاع أسعارها بالحلول الآنية والمؤقتة القائمة على حملات المراقبة – حتى وإن كانت مكثفة - أو على اللجوء إلى التوريد من الخارج أو على الدعوات إلى المقاطعة. ولن تقدر الدولة بين عشية وضُحاها بإمكاناتها الحالية على وضع حدّ لمظاهر الاحتكار والمضاربة التي تغلغلت في مختلف أرجاء البلاد وشملت كل قطاعات الإنتاج وأصبحت تسبب ارباكا دائما للتزويد والعرض وارتفاعا متواصلا للأسعار.
وبقدر ما أصبحت ظاهرة فقدان بعض المواد المعيشية تمثل هاجسا يوميا للمواطن، أصبحت كذلك شغلا شاغلا للدولة وعامل إرباك لمختلف السلطات يُعطلها عن اداء بقية مهامها العادية واليومية في تسيير الشأن العام. كما انه من الصعب إن لم نقل من المستحيل أن تتواصل حملات المراقبة والردع على مدار اليوم وعلى مدار العام بالنظر إلى محدودية إمكانات اجهزة المراقبة الاقتصادية وبقية السلطات، إذ لا يمكن تركيز فريق مراقبة في كل سوق بلدي او أسبوعي او امام كل محل تجاري..
إن الأزمة القائمة اليوم في البلاد هي أزمة إنتاج بالأساس. فلو كان الإنتاج من مختلف المواد متوفرا بالقدر الكافي لما حصلت أزمات أسعار أو فقدان او ضعف العرض في قطاعات اللحوم الحمراء والدواجن و البيض والبطاطا وغيرها من الخضر والغلال او في قطاع الحبوب ومشتقاتها او الحليب والسكر والأعلاف.. وهو ما أصبح يستدعي اليوم إعادة النظر في منظومة السوق لجعل وفرة الإنتاج أولوية الأولويّات – كما في أغلب الدول- بدل التركيز على مراقبة التزويد والأسعار والمضاربة والاحتكار.
وأكثر من ذلك فإن "إغراق" السوق بالإنتاج الوطني من مختلف المواد سيقضي آليا على أي مظهر من مظاهر المضاربة والاحتكار لأنه سيرفع من العرض ويجعله مستجيبا لكل الطلبات. كما انه سيؤدي إلى ترشيد الأسعار وجعلها في متناول المستهلك وهو ما ستكون له انعكاسات اخرى على صعيد المؤشّرات الاقتصادية ( التضخم -نسبة الفائدة - تنشيط الدورة الاقتصادية) وايضا المؤشرات الصحية من خلال تحسين مستوى التغذية لدى التونسيين من حيث الوفرة والجودة..
وتبدو الحلول لمشكل نقص الإنتاج سهلة وفي المتناول شريطة توفر إرادة قوية من الدولة لتحقيقها. فالدولة مطالبة اليوم بمزيد تشجيع الفلاحين والتخفيف من تكاليف وأعباء الإنتاج عبر التقليص من الضرائب والمعاليم المفروضة على مُدخلات الإنتاج (البذور – الأسمدة- التجهيزات الفلاحية- الوقود – مياه الري – المبيدات الفلاحية..). وهي مطالبة ايضا بتسهيل حصول الفلاح على التمويلات والقروض اللازمة وعبر تقديم المساعدة الفنية اللازمة له لتفادي المخاطر التي تؤثر على الصابة، وبحمايته من المضاربين والسماسرة حتى لا يبيع منتوجه بأسعار متدنية... فبذلك يمكن الرفع من الإنتاج وإنهاء أزمة الفقدان والمضاربة وارتفاع الأسعار..
ومن الحلول الأخرى التي باتت تنتظر اليوم وقفة صارمة من الدولة إعادة النظر في منظومة الأراضي الدولية التي تحوّلت إلى عبء على الدولة بدل ان تكون هي الحل لتحقيق الأمن الغذائي بالنظر الى ما طالها في السنوات الاخيرة من إهمال وفساد وسوء تصرف. فاتساع رقعة هذه الأراضي وخصوبتها العالية وانتشارها بمختلف أنحاء البلاد عوامل تشجع على رفع طاقتها الانتاجية وعلى تنويع المنتوجات فيها وبالتالي تلبية مختلف حاجيات المواطن من المنتجات الغذائية.
على الدولة ان تهتدي اليوم إلى كل الحلول الممكنة والآليات الفنية والقانونية اللازمة للرفع من الانتاج سواء في الأراضي الفلاحية الدولية أو التابعة للخواص. وهو الدور الموكول لوزارة الفلاحة ومختلف مؤسساتها وايضا الى بقية الهياكل المتدخلة في الشأن الفلاحي وكذلك بقية الوزارات المعنية بمختلف مُدخلات الانتاج الفلاحي إضافة الى السلطات المالية المعنية بالدعم المالي اللازم للفلاح. فإذا ارتفع الإنتاج بالشكل الكافي ستزول حتما كل مظاهر فقدان المواد او احتكارها وارتفاع اسعارها..
فاضل الطياشي
.